اخلاء المستوطنات: فلنبدأ بعمونة

20162710083203
حجم الخط

لو لم تكن هذه قصة حزينة، شبه مأساوية، لكان يمكننا أن نصف الجدال حول مسألة كم بيتا سيخلى أو تهدم في بؤرة عمونة الاستيطانية مع تطبيق قرار المحكمة العليا بأنه سخيف: 9 بيوت؟ لعل 19؟ أم ربما 29؟ هذا الجدال زائد، إذ في نهاية المطاف، لشدة الاسف، لن يبقى ولا بيت يهودي واحد للعلاج في عمونة، وعلى ما يبدو أيضا ليس في كل مناطق «يهودا» و»السامرة».
إذ في نهاية المطاف سنضطر على ما يبدو الى أن نعيد «المناطق» حتى آخر سنتيمتر. 
نحن نحتجز هذه المناطق منذ 50 سنة تقريبا، وهذا زمن كثير للاسرائيليين.
اما للعرب، فما هي 50 أو 70 أو 100 سنة؟ ملاحظة هامشية في كتب التاريخ. أربعة – خمسة سطور.
مثال من التاريخ القريب: كان في اسرائيل ذات مرة رئيس وزراء قوي في نظر الكثيرين. يهودي في كل مستوى ممكن. كان يسمى مناحم بيغن. الرجل، الذي كان يملأ الميادين باناس متحمسين كثيرين، وعد قبل سفره في الثمانينيات من القرن الماضي الى المباحثات في كامب ديفيد بانه اذا طلب منه أن يعيد سيناء فانه سيحزم أمتعته ويعود الى الديار.
الرجل ذاته، الذي كان حازما جدا بالاقوال وبالتصريحات، اعلن أيضا عن نيته ان يبني بيتا في ناءوت سيناي. وقد صفق مؤيدوه له.
بعد أن أعاد كل سيناء لمصر، أبقى بيغن تحت سيطرة اسرائيل منطقة طابا، وذلك ضمن امور اخرى كي يجسد بانه أوفى على الاقل ببعض من وعده ولم يعد حتى السنتيمتر الاخير. جاء الرئيس المصري، السادات، حرك رأسه يمينا ويسارا، او العكس، وقال لا. حتى السنتيمتر الاخير. حاولنا أن نخدع المصريين في ترسيمات الحدود، أن نكسب الوقت، أن نريهم من هو رب البيت. فنحن الذين احتللنا سيناء. ولكن الرئيس المصري قال لا. يا له من لعين.
من الواضح أن «يهودا» و»السامرة» ليستا سيناء، وقاعدة الادعاء بملكيتنا للمنطقة ليس مماثلا وليس مشابها، ولكن حتى في هذه الحالة  اثنان يمسكان بالخرقة – نحن والفلسطينيون. المشكلة هي أنه في هذا الزمن، في هذه الايام بالذات، تكاد تكون كل أمم العالم، بما فيها أميركا الكبرى، لا تؤيد المؤقف الاسرائيلي. العكس هو الصحيح. حتى اميركا تؤمن بان 50 أو 60 أو 70 سنة ليست الأبد. يوجد لها صبر. وهي تعرف بان «يهودا» و»السامرة» ستقعان في نهاية المطاف كثمرة ناضجة في أيدي الفلسطينيين. في تسوية سلمية أو مفروضة.
سيكون أليما ومحزنا اخلاء مئات الالاف من بيوتهم، وسيفعل بعضهم ذلك طواعية مقابل دفعة عادلة. اما بعضهم الاخر فسيقاتلون في سبيل البيت. في قطاع يميت استغرقت هذه الحرب بضعة ايام، وفي النهاية نقلنا الى مصر اكثر من 20 بلدة. في غوش قطيف استغرق الاخلاء نحو اسبوع.
في الغرف المغلقة يضحك الاميركيون عن عدد المستوطنين في «يهودا» و»السامرة»، ممن يضاعفون أنفسهم كل يومين كي يردعوهم عن الاخلاء بالقوة. وقد سبق لاميركا أن اختبرت حملات كبرى من هذا النوع. والمسألة التي تقف في هذه اللحظة على رأس المسائل هي من يصدر الامر: هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب. لا يحتمل؟ فاميركا تخرج عن أطوارها تشريفا لاسرائيل؟ هذا صحيح لايام الانتخابات. بعدها – الطوفان. اعتقدنا إن بيل كلينتون شقيق بنيامين زئيف هرتسل، وجورج بوش الابن هو عضو شرف في الهستدروت الصهيونية؟ اخطأ في حينه أيضا.
وحبذا لو أن هذا المقال هو الاخر كتب بالخطأ، وعمونة لن تكون نموذجا ومثالاً لما سيأتي بعدها.