صرصور يعري ذاته

thumbgen (10)
حجم الخط
 

شهدت الساحة القضائية الفلسطينية في الاونة الاخيرة جدلا حول إستقالة المستشار سامي صرصور بعد عشرة أشهر على توليه مهام منصبه السابق، رئيس المحكمة العليا، رئيس مجلس القضاء الاعلى. وإنبرى البعض من قضاة ومراكز حقوقية للدفاع عن شخص القاضي المذكور. وتحاملوا على السلطة التنفيذية و"تدخلها" غير المشروع في عمل القضاء. وهو حسب وجهات نظر المدافعين "ما يعكس عدم إستقلالية القضاء" ... إلخ من الاتهامات. لكن اي من المنتقدين للسلطة التنفيذية، لم ينبس ببنت شفة عن أخطاء وخطايا المستشار، الذي تولى اعلى منصب قضائي في فلسطين. وكأن لسان حالهم يقول "يحق للقاضي إرتكاب الاخطاء بغض النظر عن حجم تأثيرها على مصداقيته وأهليته الحقوقية".

وقبل وضع الاصبع على جروح القاضي صرصور، يود المرء التأكيد على الآتي: اولا لم يحصل لي سابقا شرف التعرف على القاضي صرصور؛ ثانيا لا يوجد لي اية مشاكل او قضايا لا قضائية ولا شخصية مع الرجل؛ ثالثا لم اكن مستسيغا طريقة علاج خطاياه عبر وسائل الاعلام، حرصا على مكانة القضاء، ولما لذلك من آثار وانعكاسات سلبية على المشهد الفلسطيني العام.

 لكن بعد ما حصل من تطورات دراماتيكية طالت موقعه، الذي إستقال منه او كما يقول هو، "انه أُرغم على كتابة إستقالته قبل تأدية يمين القسم دون تحديد تاريخ الاستقالة، وتركها مفتوحة بيد السلطة التنفيذية لتقرر متى تشاء إقالته." ومن ثم لجوئه إلى وسائل الاعلام هو شخصيا ل"يدافع" عن نفسه، ويعلن بملىء الفم "انه أُقيل ولم يستقل!" فاوقع نفسه في شر ما إرتكب من جرم شخصي بحق نفسه، وأساء للرأي العام عموما والقضاة والمحامين خصوصا، وايضا لاولئك الذين شمروا عن اذرعهم للدفاع عنه، فحشروا انفسهم والرجل نفسه في الزاوية الميتة.

كما يعلم الجميع ان القضاة اينا كانوا، وليس في فلسطين فقط، يفترض ان يمتلكوا النزاهة والشجاعة والمصداقية والموضوعية في محاكاة ومحاكمة اي شخص او مؤسسة رسمية ام اهلية. وفي حال إفتقد اي قاض اي من المبادىء المتعلقة بما ورد اعلاه انفا، فإنه لا يستحق تبوء اي مركز قضائي. لانه عندئذ لا يستحق ذلك، كونه غير مؤتمن على معالجة اي قضية بشكل موضوعي.

والقاضي صرصور عندما زّور تاريخ ميلاده كي يحتل الموقع الاهم في القضاء الفلسطيني، فإنه اولا ضرب مصداقيته؛ وثانيا كشف عن إستعداده لتغليب المصلحة الذاتية على المصلحة العامة وإبتعد عن الموضوعية. بتعبير آخر لديه القابلية لان يباع ويشترى، وهو ما يضرب هيبة القضاء. وكان الاجدر به، منذ تم الكشف عن عملية التزوير في تاريخ ميلاده، المبادرة لتقديم استقالته فورا، لا ان يواصل الاصرار على "الدفاع" عن فضيحة الكذب. وحين تأكد الرئيس ابو مازن من واقعة التزوير، إتخذ قرار إقالة المستشار صرصور. لكن ما حال دون ذلك، هو التطورات السياسية الجارية في الساحة والمنطقة.

الاهم مما تقدم، ان شخص القاضي سامي صرصور او اي قاضي آخر، لماذا قبل ويقبل من حيث المبدأ أن يكتب بخط يده كتاب إستقالته قبل ان يؤدي اليمين القانونية؟ اين هي المصداقية والشجاعة والنزاهة هنا في شخص رأس القضاء حين يقبل ان تكون رقبته تحت سيف السلطة التنفيذية؟ لماذا يسلم نفسه بارادته لسلطة إدعى انه عمل على فصل السلطات القضائية عن التنفيذية؟ كيف ؟ وعلى اي اساس؟ وهل وانت مرهون للسلطة التنفيذية؟ أليس في هذا ايها المدافعون غير البريئين فضيحة بحق دفاعكم وبحق الرجل، الذي وقف على رأس القضاء؟! دون إطالة وتزويق أدان المستشار صرصور نفسه بنفسه، وكشف عجزه وعدم مصداقيته، وعرى ذاته أمام المجتمع ككل وفي الساحة القضائية الحقوقية. لذا كان الافضل له ان يصمت صمت اهل الكهف، وان لا يدلي باي تصريح، لان كل كلمة إضافية تكشف عمق ما إرتكب من إساءة لذاته وللقضاء على حد سواء.