الغرب يلعب في الموصل وحلب

هاني عوكل
حجم الخط

من يتابع العمليات القتالية التي تجري هذه الأيام على رقعتي الموصل وحلب الواقعتين في الشمال، سيلاحظ وجود قوات كثيرة ومتعددة الجنسيات تتدخل هناك بهدف استعادة هاتين المدينتين، في الوقت الذي تتباين فيه مواقف الدول الكبرى من طبيعة التواجد في الموصل وحلب.
أولاً لا بد من التفريق بين النزاع الذي يجري حالياً في مدينة حلب، والعملية العسكرية لاستعادة الموصل من تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث في مربع حلب تبدو المواجهة ليست مع تنظيم إرهابي فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى مواجهة بين طرفين يتنازعان عسكرياً لتحقيق مكتسبات تؤهل الطرف الأقوى للحصول على السلطة. والفرق هنا أن النزاع استفحل وامتد في مناطق كثيرة داخل التراب السوري.
في حلب توجد القوات الحكومية السورية التي تحارب تنظيمات المعارضة المعتدلة، ويوجد تنظيم "داعش" في شمال حلب، وهذا النزاع مدعوم من أطراف دولية، حيث تدعم روسيا وإيران وحزب الله القوات الحكومية السورية، كما تدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها تنظيمات المعارضة المعتدلة هناك.
في الموصل الأمر يبدو مختلفاً، من حيث أن القوات العراقية والبشمرغة الكردية وفصائل مسلحة أخرى، يحاربون تنظيم "داعش" بدعم أميركي دولي، بينما تراقب روسيا ما يجري من بعيد دون أي تدخل، في حين تتدخل تركيا في سورية والعراق لأهدافها الخاصة.
الخلاف الأميركي والروسي حول ما يجري في سورية والعراق خرج إلى العلن منذ فترة، وزادت حدته قبل أيام في إطار مكالمة هاتفية أجراها الوزيران سيرجي لافروف وجون كيري، حيث قال الأول للثاني إن ما يحدث في الموصل هو نسخة عن ما يحدث في حلب.
كيري لم يعجبه هذا الأمر، وردّ على نظيره الروسي بأن بلاده حضّرت لمعركة الموصل، وأنها أبلغت السكان العراقيين بضرورة الرحيل وأخذ الحيطة والحذر إزاء معركة ستحتدم مع تنظيم "داعش"، عكس ما يجري في حلب من تدهور إنساني دون أي تحضير دولي لفرملة هذا الوضع.
هذا الخلاف يعكس حجم التناقض في الأولويات ويعكس أيضاً مصالح كل طرف على حساب الآخر، حيث أن العراق عموماً كان ولا يزال حكراً على الولايات المتحدة الأميركية، التي تدخلت عسكرياً هناك وأضعفت هذا البلد سياسياً واقتصادياً، إلى درجة أنه تعثر عن اللحاق بركب الدول النامية بالنظر إلى الإمكانيات والمقومات الاقتصادية التي يمتلكها.
الكل يعلم أن أكذوبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل التي سوقتها الإدارة الأميركية إبان جورج بوش الأب، هذه الأكذوبة تعززت بهدف إسقاط نظام الحكم في العراق وجعله قوى سياسية متحاربة تحت مظلة الاقتتال الطائفي والتعدديات المذهبية والعرقية.
حتى بعد الرحيل الشكلي الأميركي عن العراق في العام 2011، إلا أن واشنطن ظلت تتدخل في العراق إن لم يكن من قريب فهو من بعيد، وشاهدت كما راقبت تواجد وانتشار تنظيم "داعش" الإرهابي كالفطر، دون أن تعمل بشكل استباقي على منعه من الوجود هناك.
أما سورية عموماً فقد راهنت روسيا على بقائها صامدة بقيادة الرئيس بشار الأسد في مواجهة تنظيمات المعارضة، لأن وجود حكومة سورية حليف لروسيا سيعني موطئ قدم للأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، والحال أيضاً أن موسكو وواشنطن راقبتا تنامي وتغول تنظيم "داعش" دون أن تحركا ساكناً.
لكن بعد توسع هذا التنظيم ووصول ضرباته إلى مناطق كثيرة، وتهديده لمصالح الدول الكبرى، صارت هذه الأخيرة تنظر إليه بعين الغضب، وتتوعده في سورية والعراق حيث منبته ومقر وجوده.
الموضوع بين واشنطن وموسكو لا علاقة له بتنظيم "داعش"، لأن هاتين الدولتين قادرتان بحكم الإمكانيات والقدرات العسكرية على ملاحقة وتحطيم هذا التنظيم في أماكن تواجده، غير أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد روسيا في سورية ولا حتى أن تقدم دعماً للقوات الحكومية في نزاعها ضد المعارضة المعتدلة.
واشنطن تريد للعراق وسورية أن تكونا عنوان الشرق الأوسط الجديد، المبني على قتال طائفي عرقي يضعف من بنية الدولة إلى أن يجهضها، فالمصلحة الأميركية من هذا أنها ستضمن تدخلاً مباشراً وغير مباشر، وأنها حينما تزيد عمر الحروب فإن مصانعها العسكرية ستبقى تعمل وترسل الأسلحة اللازمة لإشعال الحروب.
روسيا أيضاً ليست بعيدة عن دائرة الاتهام في ما يجري في سورية، فهي ترغب في توريد أسلحتها المتطورة إلى مختلف دول العالم، حيث تسابق الزمن في الكشف الدوري عنها، وهي تريد للحكومة السورية أن تنجح في السيطرة على حلب وإنهاء النزاع، لأن ذلك سيشعرها بالفخر من أنها طرف قادر على تغيير شكل النظام الدولي.
وبين الولايات المتحدة وروسيا، تتدخل دول إقليمية مثل إيران وتركيا، لتحقيق مصالحها هي الأخرى، انطلاقاً من موقعها الجغرافي الملاصق لسورية والعراق، فضلاً عن ثقلها الإقليمي وموقفها من ضرورة أن يكون لها دور ووجود في هذين البلدين.
إيران لا تساعد الحكومة السورية بالمجان ومن أجل "سواد عيونها" كما يقول المثل، بل إنها تفعل ذلك لأنها تعتقد أن نجاح الحكومة السورية سيعني أولاً: وجود نافذة تطل عليها طهران من دمشق، بالسياسة والاقتصاد والمعتقد الديني، وثانياً: توسيع التحالف (إيران- سورية- حزب الله) نحو تشكيل قوة لا يستهان بها.
أيضاً إيران تعتبر الدولة الأكثر تدخلاً في الشأن العراقي، وهذا التدخل بمنهجها يعني أنه سيقوي ظهرها، فهي التي تطمع لتأسيس مظلة أمنية عسكرية تلتحق فيها العراق وسورية، وهي حينما تفعل ذلك فإنها تفعله من أجل تعظيم دورها الإقليمي في منطقة الخليج العربي.
وتركيا لها دور في ما يجري في العراق وسورية، فهي حين تدخلت هناك، فإنها تسعى أولاً لحماية حدودها من أي تسلل أو هجمات إرهابية، وثانياً ترتعب أنقرة من فكرة قيام حزام كردي يهدد سيادتها سواء في الجنوب والجنوب الغربي، الأمر الذي دفعها للتدخل بهدف طرد الأكراد من المناطق المتاخمة لحدودها.
ثالثاً: لا تريد تركيا أن تتفرج بينما تلاحظ وجود قوى دولية وإقليمية تسرح وتمرح في العراق وسورية، خاصةً وأنها تلاصق سورية والعراق جنوباً وغرباً، ثم لتركيا مطامح إقليمية، حيث تتطلع إلى فرض نفسها كقوة صاعدة ومؤثرة في منطقة الشرق الأوسط.
الموصل وحلب ينبغي أن تكونا عبرة للدول العربية، شأنهما شأن ليبيا التي دمرها الغرب، وفلسطين التي ابتلعت في بطن إسرائيل بدعم هذا الغرب، ففي النهاية هم يحققون مصالحهم، ونحن مع الأسف نحقق مصالحهم.