100 عــام عــلــى وعــد بــلــفــور

1383373572
حجم الخط

في الأسبوع القادم سيصادف مرور 100 عام على وعد بلفور.
يوم الجمعة 2 تشرين الثاني 1917 أعلن آرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني، في رسالة قصيرة للورد ليونيل فولتر روتشيلد أن حكومة فخامته تؤيد إقامة بيت قومي للشعب اليهودي في "أرض إسرائيل"، وستبذل الجهد من أجل تحقيق هذا الهدف بشرط أن لا يتم فعل أي شيء يضر بالحقوق المدنية والدينية للجاليات غير اليهودية في "أرض إسرائيل: أو الحقوق السياسية لليهود في أي دولة أخرى".
بعد مرور خمس سنوات تم وضع وعد بلفور في كتاب الانتداب لإدارة "أرض إسرائيل" الذي أعطته عصبة الأمم لبريطانيا، وأضيفت فيه جملة أخرى هي "أعطي الاعتراف بناء على الصلة التاريخية للشعب اليهودي بـ "أرض إسرائيل" واعتبارات إعادة البيت القومي في هذه البلاد".
حاييم وايزمان، الذي بمساعدة ناحوم سوكولوف عمل من قبل الهستدروت الصهيونية من أجل الحصول على الوثائق بمواظبة وحكمة، سعى إلى الحصول على التزام أكثر وضوحا، لكن الصيغة المتواضعة بحد ذاتها كانت لبنة مهمة في بناء دولة إسرائيل.
رؤساء العرب في "أرض إسرائيل" رفضوا وعد بلفور منذ تم نشره، واحتجوا على استخدام مفاهيم "الشعب اليهودي" و"البيت القومي في أرض إسرائيل" وعلى التعاطي مع العرب كـ "جالية" من خلال حقوق مدنية ودينية فقط ودون أي حقوق قومية.
وللأسباب ذاتها قالت م.ت.ف في البند 18 في ميثاقها في العام 1964، قبل "الاحتلال" بثلاث سنوات إن "وعد بلفور وكل ما تأسس عليه هو مؤامرة"، وانطلاقا من ذلك أعلن رئيس م.ت.ف، محمود عباس، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤخرا: "لقد مرت 100 سنة على وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت من خلاله بريطانيا بدون وجه حق صلاحية وموافقة تطبيقه على أرض فلسطين، لشعب آخر. وهذا مهد الطريق لحدوث نكبة الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه".
في ذلك الخطاب طلب عباس أيضا من بريطانيا الاعتذار للفلسطينيين بسبب "الكوارث والمعاناة والإجحاف الذي تسببت به" نتيجة وعد بلفور.
وقبل ذلك بشهرين طلب محمود عباس من سكرتارية الجامعة العربية مساعدته في "إعداد ملف قانوني ضد الحكومة البريطانية بسبب وعد بلفور وتطبيقه لأنها كانت صاحبة الانتداب".
هذه التصريحات، رغم أنها غريبة، تنزل إلى جذور الأشياء.
في العام 1917 لم يكن هناك قرار للأمم المتحدة حول تقسيم "أرض إسرائيل الغربية"، ولم تكن "نكبة" أو "احتلال".
يثبت موقف م.ت.ف مرة أخرى عمق معارضة وجود السيادة الإسرائيلية في أي جزء من فلسطين، هذه المعارضة منذ 100 سنة، تنبع من إنكار حقيقة، هي أنه ليس فقط اليهود أبناء دين، بل أيضا أبناء قومية وهم يعيدون بناء سيادتهم في وطنهم القديم.
في ميثاق م.ت.ف تمت صياغة هذا الإنكار بالشكل الأوضح.
"الأصولية"، كما قال المفكر الإسباني – الأميركي جورج سنتيانا، "هي نتاج مضاعفة جهودك عندما تنسى هدفك".
الشعار القديم "الأرض مقابل السلام" كان له منطقه الخاص به، حتى لو كنت لا أوافق عليه.
لكن الأصوليين في اليسار الإسرائيلي نسوا الهدف منذ سنوات وهم يضاعفون جهدهم من أجل إنهاء "الاحتلال" دون شروط ودون خديعة السلام.
وعند ظهوره في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 16 تشرين الأول 2016 كمتآمر شجاع وصل سرا من ديكتاتورية ظلامية، استنكر ممثل بتسيلم "الاحتلال" وطلب من المجلس العمل فورا من أجل أن يفرض على بلاده وضع حد لذلك.
ولكن طوال خطابه لم يعبر ولو عن أمل واحد للسلام يسود هنا بعد انتهاء ذلك "الاحتلال".
الكثيرون في دولة إسرائيل وفي العالم ما زالوا لا يفهمون الصعوبة.
وعلى العكس من الاتفاق المرحلي الذي يُمكن الأطراف من استمرار العمل لتطبيق كافة طموحاتهم وأحلامهم، فان الاتفاق النهائي لا يسمح بذلك.
حسب رأي أبناء م.ت.ف، الاتفاق الدائم الذي يُرسي إسرائيل إلى الأبد في جزء من فلسطين ويعطي صيغة لتطبيق "عودة اللاجئين إلى منازلهم"، لا يستطيع أن يظهر البند الحيوي الذي يعلن عن "انتهاء الطلبات المتبادلة".
لذلك فان م.ت.ف التي ترفض وعد بلفور بعد 100 عام على صدوره، غير قادرة على التوقيع على اتفاق دائم مع دولة إسرائيل حتى بالشروط الأكثر تواضعا التي باستطاعة اليسار الصهيوني التفكير فيها اليوم.
التجربة الدولية لفرض اتفاق كهذا ستؤدي إلى حل م.ت.ف والقضاء على قيادتها وهي لن تنجح.
ويُفهم من هنا أن جهود الأصوليين في البلاد وخارجها موجهة لانسحاب إسرائيل إلى حدود 1949.
لكن أعيننا التي ترى: بعد مرور 100 سنة ورغم كل شيء، فان البيت القومي للشعب اليهودي يزدهر في "أرض إسرائيل". وهذا ما سيكون.