ما الذي يريده «أردوغان».. حقا؟

thumbgen (2)
حجم الخط
 

يبدو السؤال مشروعاً, في ظل طبول الحرب التي يقرعها الرئيس التركي والذي لا يتوقف, ولو ليوم واحد, عن اطلاق التصريحات النارية ونثر التحذيرات والتأشير بأصابع يده, في غضب ظاهر محمول على قراءة عثمانية تنهل من معين «خرائط» عفا عليها الزمن ولم يعد أحد يأخذها بجدية, وبخاصة في منطقة لم يكن العثمانيون فيها سوى غزاة ومستعمرين، لا فاتحين عِرقياً ولغوياً وثقافياً وخصوصاً دينياً، فيما هم جاوؤا ليستعمِروا المنطقة ويطسموا على «هوياتها» القومية ويحكموا الناس بالحديد والنار، وجعلهم وقوداً لحروبهم العدوانية التي تمددت في كل الإتجاهات.
مناسبة الحديث هذا, هي «الدروس» في التاريخ, التي يحاول اردوغان تعليمها لـ»العرب» على وجه التحديد, وخصوصاً اولئك الذين يرفضون منهم مشاركة قوات الاحتلال التركي في (بعشيقة وشمال سوريا) في «تحرير الموصل» وايضاً تحرير او عزل «الرقة»’ الذي يُلوِّح به الغرب الاستعماري بل تحدث اشتون كارتر وزير الدفاع الاميركي, عن معركة متوازية في عاصمة داعش (الرقة) متزامنة مع معركة الموصل, التي بدأت قبل عشرة ايام وتوقفت مؤخراً لأسباب ما تزال مثال جدل وسجالات بين الأطراف المشاركة فيها، بعد ان تأكدت صحة المعلومات عن الدور غير الفاعل (إقرأ المريب) لطيران التحالف الذي تقوده واشنطن في دعم المقاتلين على الأرض في فضاء الموصل, سواء قوات الجيش العراقي ام قوات البشمركة الكردية التي دفعت ثمناً بشرياً باهظاً في كركوك عندها هاجمها مقاتلو داعش واستولوا على مناطق منها قبل ان يتم دحرهم.
اردوغان الذي كرّر اكثر من مرة ان قوات «درع الفرات» وهو الأسم الذي تخفّى خلفه جيش الاحتلال التركي، كي يُبرّر اجتياحه للأراضي السورية مع بعض مرتزقته (الانكشاريون الجدد) ممن يوصفون بالجيش السوري الحر، بأن قواته ماضية نحو مدينتي» منبج والباب»، ملقِياً قنبلة دخانية مُضلِّلة وحمّالة أوجه بأن «حلب لأهلها»’ ما فهمه البعض بأنه «سلّم» بعودتها الى حضن الدولة السورية, وبخاصة ان هؤلاء ربطوا ذلك بتصريح تبدّد سريعاً’ عندما كان قال: إن على جبهة النصرة الخروج من حلب الشرقية, وانه اعطى «الأوامر» لمساعديه كي يقوموا بما يجب القيام به. لكن ذلك لم يحدث, بدليل الهجوم المكثف الذي قامت به النصرة واحرار الشام (وهما صناعة تُرّكِية خالصة) على جنوب غربي حلب’ حمل اسم «ملحمة حلب الكبرى» مستهدفاً فك الحصار عن احياء المدينة الشرقية، ورغم استيعاب الجيش السوري وحلفاؤه الهجوم’ الا ان الامكانات العسكرية واللوجستية التي توفر عليها الارهابيون, اكدت ان الأيدي التركية (دع عنك العربية المعروفة) كانت خلف هجوم محكوم بالفشل.. كهذا.
الرئيس التركي الذي بدأ رحلة بحث طويلة ومعقدة لاستعادة امجاده العثمانية والسلجوقية, اوعز لوسائل الاعلام التابعة له (لم يعد في تركيا إعلام معارِض)، بنشر خرائط «قديمة» تظهر فيها تركيا «الحالية» في تضاريس جديدة تزيدها مساحة وتُضفي عليها ملامح امبراطورية (ولو جزئياً) حيث ضمّت محافظات سورية وعراقية، وهو الأمر الذي تولت الاضاءة عليه صحيفة «ديليليش» المؤيدة لاردوغان, عندما نشرت الخريطة المذكورة تحت سؤال يفيض «فَضْحاً» لأهداف الرئيس التركي المُبّيتة: هل هذه الأراضي «مُقتطَعة من تركيا؟» تساءلت الصحيفة, اما المدن التي «ضمتها» الخريطة الجديدة فهي: كركوك، الموصل، اربيل، حلب، إدلب، الحسكة (اضافة الى اجزاء من بلغاريا وأرمينيا).
الغطاء الذي «وُضع» لتبرير الخريطة «الاستعمارية» الجديدة هو الـ «مِلّي ميساك» او ما ترجمته بالعربية بـ «ميثاق المِلّل او الأقوام» وهو الميثاق الذي صادق عليه آخر برلمان عثماني عام 1920 وقبل ثلاث سنوات من قيام الجمهورية الحالية... في العام 1923.
أردوغان وفي معرض الحاحه على مشاركة قواته في معركة الموصل, استخدم تعبيرات ومصطلحات لافتة تصب في هذا الاتجاه, بل هو تحدث صراحة عن ان»هذه الوثيقة (الحدودية) ترجع الى اوائل القرن العشرين» مُطالِباً الجميع، بأن يصغوا اليه بالقول: اسمحوا لي بقراءة «مِلّي ميساك» لتفهموا ماذا تعني هذه المدينة لنا.. (مستطرداً).. لماذا هذا الكلام لا يعجبهم انا فقط قدمت «درساً» في التاريخ.. يجب فهم ان كركوك كانت «لنا» وان الموصل كانت «لنا»، ثم لم ينسّ مواصلة خلط الأوراق وممارسة التضليل, عندما انتقد الدول الغربية التي لم تفعل شيئاً للعراق وسوريا حتى اللحظة, وهم – اي الغرب – يُعرقِلون امة «مُخلِصة» كأمتنا.. في عمل شيء ما».
فهل ثمة من بات يُصدِّق ان اردوغان في حملته العسكرية المباشرة, ودعمه الذي استمر خمس سنوات ونصف للارهاب عابر القارات وهجومه اللاذع, على»كل» من يقف في وجه مشروعه العثماني الجديد، يستهدف نصرة شعبي سوريا والعراق؟ مثلما انكشفت مساعدته «لغزة» بعد صفقته الاخيرة مع اسرائيل, التي أعاد فيها علاقاته الاستراتيجية والعسكرية والامنية معها؟.
ما يثير الشكوك... هو في ان مَن تستهدفهم «خرائط» اردوغان الجديدة, ما زالوا يرون فيه «حليفاً» كما هي حال اقليم كردستان, وبعض السوريين وخصوصاً فرسان وثوار الفنادق في ائتلاف وفد الرياض. قد يكون حيدر العِبادي «أصاب» عندما ذَكّْرَ اردوغان, بأن اجزاء واسعة من تركيا كانت جزءاً من الدولة «العباسية»؟ إلاّ ان الأمور محكومة دائماً.. بخواتيمها.
عن الرأي الاردنية