تهرباً من حل الدولتين: فكرة إخلاء أحادي الجانب تعود مجدداً !!

هاني حبيب
حجم الخط

في متابعة لا بد منها لمسار الحملة الانتخابية في إسرائيل على خلفية انتخابات الكنيست منتصف الشهر القادم، لا بد من ملاحظة نعتقد أنها بالغة الأهمية وتعكس بشكل حقيقي اهتمامات الأحزاب والمجتمع الإسرائيلي بشكل عام، هذه الحقيقة تتمثل في أن هذه الانتخابات، وخلافاً لانتخابات سابقة، غابت عنها المسائل المتعلقة بملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي بشكل عام، والملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي على وجه الخصوص، ذلك أن مراجعة برامج الكتل والأحزاب في إطار هذه الحملات الانتخابية، تشير إلى أن هذا الملف، بالكاد تم التطرق إليه في إطار هذه البرامج، ومع أن بعض هذه الكتل والأحزاب لم تضع برامجها بعد، إلاّ أن تصريحات قادتها تشير الى تجاهل واضح لهذا الملف. أسئلة استطلاعات الرأي المتعلقة بهذه الانتخابات بدورها، عكست عدم اهتمام المجتمع الإسرائيلي بالملف المعقّد مع الجانب الفلسطيني، يعود ذلك على الأغلب، ورغم الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، إلى أن المجتمع الإسرائيلي بات أكثر قدرة على التعايش مع الوضع الراهن على هذا الملف والشعور بأن لا جديد يمكن أن يطرح لمعالجته، مع استقرار الموقف الإسرائيلي اليميني الحاكم منذ وقت ليس بالقصير إزاء هذا الملف.
مع ذلك، هناك استثناء ما في هذا السياق، فقد عقد «معهد أبحاث الأمن القومي» مؤتمراً خاصاً لبحث المسائل المتعلقة بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بعنوان «حساب المسار من جديد» في محاولة لدراسة أفكار، قال المؤتمرون، إنها جديدة، وتركزت المناقشات حول هذه الفكرة الجديدة، وتتمثل في «الانسحاب من جانب واحد من غالبية أراضي الضفة الغربية» وكما هو واضح فإنه لا جديد على الإطلاق في هذه الفكرة التي سبق وطرحت لمرات عديدة، خاصة على ضوء الفشل الذي لحق بالعملية التفاوضية خلال ثلاث حكومات إسرائيلية متعاقبة على الأقل، رغم اختلاف الراعي الأميركي مع تغير وزراء الخارجية، والغريب في هذا الأمر، أن صاحب هذه «الفكرة الجديدة» هو موشيه تامير، الذي كان قائداً لفرقة غزة في وقت من الأوقات، وجاءت هذه «الفكرة الخلاّقة» نتيجة بحث أجراه فريق متخصص برئاسته، حول إذا ما كانت إسرائيل قادرة على تنفيذ انسحاب حقيقي أحادي الجانب من الضفة الغربية، بشكل لا يضر بمصالحها الأمنية، بل يحسنها، وإجابة تامير على هذا التساؤل هو نعم بالتأكيد!!
لكن تامير وضع بنفسه الاستثناءات التي تكاد تنسف فكرته، لدى كل انسحاب تدريجي في المستقبل يجب بقاء المستوطنين والجيش الإسرائيلي على جميع خطوط الحدود مع الأردن، وضمان تعاون أردني بهذا الشأن، مشيراً إلى أن هناك خطأ كبيرا وقعت به إسرائيل عندما أخلت مستوطنات غزة، كونها تركت الحدود مع مصر مفتوحة، لذلك لا يجب أن يتكرر هذا الخطأ عند الانسحاب من بعض الضفة الغربية، إضافة إلى هذه الاستثناءات، يقول تامير: إن أي إخلاء للمستوطنات يجب أن يستثني الاستيطان في مدينة الخليل ومستوطنة «كريات أربع»، مع الحفاظ المطلق على حق الجيش الإسرائيلي بالتدخل كلما كان ذلك ضرورياً».
ولكي تكون هناك رقابة وتقييم لعملية الإخلاء، يقول تامير، يجب أن يتم هذا الإخلاء بالتدريج، ذلك أن هذا الإخلاء يتضمن نحو مائة ألف مستوطن، وليس 8.600 مستوطن كما جرى في قطاع غزة، ومن الممكن بعد كل إخلاء دراسة تأثيراته، ووقفه إذا دعت الحاجة لذلك.
الاستثناءات العديدة التي وضعها تامير لتنفيذ فكرته، كان الهدف منها إرضاء المستوطنين الذين ساهموا في النقاش داخل المؤتمر الذي عقد قبل يومين فقط، «تمار اسراف»، مستوطنة مثلت المستوطنين في المؤتمر، اعتبرت فكرة تامير هذه «فصل الشعب الإسرائيلي عن مناطق وطنه، وهي تعزز الصراع الداخلي، وتجعل إسرائيل أكثر ضعفاً».
حاول مارتن انديك، سفير الولايات المتحدة الأسبق في تل أبيب، أن يستعرض الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي الراهن، من دون أن يدخل في مناقشة الفكرة، فأشار الى ان من الغباء توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة و»الجنائية الدولية» من ناحية، واستمرار العملية الاستيطانية عزز عزلة إسرائيل الدولية، فيما غزة على وشك الانفجار وباتت أكثر اعتماداً على إسرائيل من أي وقت مضى، وبدلاً من مناقشة فكرة تامير، ظل مؤكداً على أن الحل معروف، وهو حل الدولتين بالتعاون مع الأردن ومصر والولايات المتحدة، أي أن انديك، عارض فكرة تامير من دون أن يدخل في مناقشة تفاصيلها.
انديك اقترح فكرة ذهبية، كما يعتقد، إذ ان هناك إمكانية لتجديد العملية التفاوضية في اطار «التجميد مقابل التجميد» أي تجميد التوجه الفلسطيني إلى المنظمات الدولية، مقابل تجميد البناء الإسرائيلي في المستوطنات.
فكرة الانسحاب من جانب واحد، إخلاء مستوطنين ومستوطنات، تظل فكرة بديلة عن المفاوضات واستحقاقاتها الضرورية: إقامة دولة فلسطينية، أي حل الدولتين، وعوضاً عن أن يظل الحوار والنقاش حول هذا الحل، فإن التهرب منه إلى بدائل، ما هو إلا شكل من أشكال العصف السياسي الذهني، للابتعاد عن الفكرة الحقيقية، لكن مع ذلك نقول: إن الحلبة السياسية في إسرائيل تظل منشغلة بالملف الفلسطيني، رغم محاولتها التهرب منه ومن استحقاقاته، ونقاش هذا المؤتمر هو أحد الدلائل على ذلك!!