هل يكون عون آخر رئيساً للبنان؟!

رجب أبو سرية
حجم الخط

أخيراً وبعد فراغ سياسي، تمثل بعدم وجود رئيس للجمهورية اللبنانية منذ ما يقارب العامين ونصف العام، انتخب البرلمان اللبناني، أمس، الرئيس الثالث عشر للجمهورية في عهد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي بالعام 1943، وذلك بعد أن توافقت الكتل البرلمانية على الجنرال ميشال عون، وبعد إجراء جولة اقتراع ثانية.
بذلك صار الرئيس ميشال عون الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية، منذ بشارة الخوري، ولا ينطوي الرقم على نذير شؤم وحسب، بل إنه يثير التساؤل، نظراً لأن انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وإن كان سيضع حداً، لشلل سياسي دام أكثر من عامين، إلا أنه لا يعني أن واقع التباعد والتنافر بين "الطوائف" اللبنانية قد انتهى، بل إن حقيقة عدم توافق الكتل البرلمانية التي تمثل الطوائف اللبنانية العديدة، التي تشكل الشعب اللبناني، على رئيس طوال عامين ونصف، يدق في الحقيقة جرس الإنذار، حول مستقبل الدولة أو الجمهورية اللبنانية التي تبقى جزءاً من الإقليم، الذي يمور بحروب داخلية طاحنة، بدأت بدعوى تغيير أو إسقاط أنظمة الاستبداد، لكنها سرعان ما تحولت إلى حروب طائفية.
أنشئ منصب رئيس الجمهورية في لبنان منذ العام 1926، أي منذ تسعين سنة، وفي ظل الانتداب الفرنسي، ورغم أن الدستور لم يضع شرط أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً أو من الطائفة المارونية تحديداً، إلا أنه اتفق في الميثاق الوطني العام 1943 على أن يكون كذلك، ثم تكرّس النظام السياسي اللبناني على "أساس طائفي" بأن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً / مارونياً، وعلى أن يكون رئيس الوزراء مسلماً / سنياً، فيما يكون رئيس البرلمان مسلماً / شيعياً.
ثم توالت تفاصيل "النظام الطائفي" لتشمل الوزراء، وقيادة الجيش وكل مؤسسات الدولة، وظل الحال هكذا يعتبر نموذجاً للتعايش في دولة تعيش في الشرق الأوسط، وهي واحدة من اثنتين وعشرين دولة عربية، كانت الدولة الوحيدة التي يرأسها غير مسلم، وتمثل نقطة التقاء أو تداخل بين الشرق الأوسط، العربي / الإسلامي والغرب المسيحي، لذا فإنه حين كانت المنطقة تتسم بالعداء للغرب، كان "التماس السياسي" يجد تعبيراته في لبنان، كما حدث في العام 1958 والذي نجم عن رفض الرئيس كميل شمعون قطع علاقاته الدبلوماسية مع دول العدوان الثلاثي العام 1956 على مصر، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية بين المسيحيين الموارنة والمسلمين، وكما حدث إبان الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، منذ العام 1975 حتى العام 1990، حيث شاركت فيها كل الطوائف والإثنيات، إضافة للتدخل السوري والإسرائيلي.
إن إقامة دولة لبنان على هذه الشاكلة، ترافق مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وخروج الاستعمار الفرنسي، الذي حرص على أن يبقي لبنان موالياً للغرب، خاصة وأنه يقع شمال "دولة إسرائيل" ويقطن فيه نحو نصف مليون فلسطيني، ويعتبر "نظرياً" دولة مواجهة مع إسرائيل، كما أنه يتداخل مع سورية تاريخياً وسكانياً، لذا فإنه وطوال الحروب العربية / الإسرائيلية، لم يشارك في تلك الحروب رسمياً، لكنه بالمقابل لم يعقد حتى الآن معاهدة أو اتفاقية سلام مع إسرائيل، خلافاً لما عليه الحال في مصر والأردن.
هوية لبنان الفريدة من نوعها في المنطقة، لا تتوقف عند حدود حالة التوازن الداخلي وحتى في السياسة الخارجية، كما أشرنا، فهو دولة عربية، لكنها الوحيدة التي لا تعتبر دولة مسلمة، والتي رئيسها غير مسلم (لاحقاً صارت العراق) دولة عربية رئيسها مسلم لكنه كردي غير عربي، وهوية لبنان القلقة، لا تتوقف عند هذه الحدود، بل إنه ربما كان الدولة الوحيدة في الدنيا التي يزيد عدد مواطنيها الذين يعيشون في الخارج على عدد مواطنيها في الداخل، حيث إن عدد سكان لبنان، الآن، يزيد قليلاً على ثلاثة ملايين، إلا أن أكثر من ثمانية ملايين مواطن من أصل لبناني كانوا هاجروا منذ عقود طويلة إلى الغرب.
من يحدد طبيعة النظام السياسي ومن ينتخب بالطبع هم مواطنو الدولة، والذين يتوزعون حسب التصنيف الطائفي الرئيس على أساس أن 40% منهم مسيحيون أغلبهم موارنة، فيما المسلمون / السنة 30% والمسلمون / الشيعة 30%.
كما أشرنا فإن التوازن الطائفي داخل لبنان تأثر في الماضي بسياسات المنطقة وعلاقتها بالغرب، فكانت حروب أهلية طاحنة في عهد زعامة عبد الناصر للمنطقة، ومن ثم في مواجهة أنبل ظاهرة عربية في القرن العشرين، أي الثورة الفلسطينية، التي تواجدت بعد أيلول من العام 1970 بشكلها المسلح في مخيمات لبنان، فكان أن أوعز الغرب وإسرائيل لحلفائهما من كتائب وغيرهم بمقاتلة الثورة الفلسطينية، إلى أن وصلت الأمور لشن الحرب الإسرائيلية في العام 1982 واحتلال بيروت ومن ثم تنصيب بشير الجميل رئيساً، والذي اغتيل قبل استلامه المنصب رسمياً.
فصول النزاع الداخلي على خلفية الاصطفاف الإقليمي لم تتوقف، بل ظهرت مجدداً، حين اختلفت القوى وتنازعت حول: أولاً، الوجود العسكري السوري في لبنان والذي أعقب قرار القمة العربية بتشكيل قوات الردع. وثانياً، حول مشاركة حزب الله في الحرب داخل سورية كحليف للنظام، وبذلك فإن الحرب الطائفية المندلعة في المنطقة بين السنة والشيعة في العراق، وسورية واليمن، تؤثر على علاقة سنة وشيعة لبنان الذين يتواجهون عبر قطبي 14 آذار و8 آذار، فيما يتوزع الموارنة والمسيحيون عموماً بين القطبين، اللذين يرأس أحدهما سعد الحريري والثاني حزب الله، فهل يكون عون آخر رئيساً "توافقياً" للبنان، الذي ربما لا ينجو من الفرز الطائفي وإقامة الدولة الطائفية في المنطقة، بما في ذلك "الدولة اليهودية"، خاصة وأن القدر منحه موقع الرئيس الثالث عشر، أم أن انتخاب بشير الجميل وعدم تسلمه مهام منصبه سينجي العماد عون من شؤم الرقم 13، فيكون آخر رئيس للبنان شخص آخر؟!