بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن أشراط الساعة، أن في آخر الزمان موتاً كعقاص الغنم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ ))(صحيح مسلم)
في تاريخ البشرية القاتل يقتل، الذي يسفك الدماء ظلماً يقتل، الذي يغتصب الأعراض يقتل، لا أقول الحكم الشرعي الآن، أما أن يقتل الإنسان لا لذنب إلا لأنه تشبث في أرضه، أو لأنه كان مسلماً ليس غير، فهذا من علامات قيام الساعة.
أيها الإخوة الموت قريب، ومن عد غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت، الموت قد يأتي فجأة لذلك قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)﴾(سورة آل عمران)
أي لا يأتينكم الموت إلا وأنتم خاضعون لمنهج الله، هذه مقدمة أردت منها أن الموت حق، وأن كل مخلوق يموت ولا يبق إلا ذو العزة والجبروت، وأن الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر وأن العمر مهما طال فلابد من نزول القبر
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
فإذا حمــلت إلى القبور جنازة فاعلم بـأنك بعدهـا محمول
ولكن بعد الموت ماذا ؟! لا يستطيع كائنٌ من كان أن يمكر حدث الموت، لكن الناس يتفاوتون في الاستعداد للموت، أردت أن تكون الخطبة في هذا الأسبوع حول أسباب دخول الجنة، فلو أن كلاً منا حرص حرصاً لا حدود له على أن يأخذ بأسباب دخول الجنة فإذا جاءه الموت، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
((لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ قَالَتْ فَاطِمَةُ وَا كَرْبَ أَبَتَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))(سنن ابن ماجه)
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾(سورة يس)
الموت حق، والأخطار التي تتهدد المسلمين كبيرة جداً، و الأمور متفجرة، ولا تدري ماذا يكون غداً، فالأخطار في أعلى مستوى، وتشمل كل المسلمين في شتى بقاع الأرض، هكذا أراد الله عز وجل أن يمتحن المسلمين، هم في ظرف عصيب.
أيها الإخوة: القضية الأولى في دخول الجنة أن تصح عقيدتك، وأن يصح عملك، فمن أخذ بأسباب دخول الجنة ولم تكن عقيدته صحيحة لا يدخلها، لقوله تعالى:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23)﴾(سورة الفرقان)
كما أن الإيمان وحده لا يُدخِل الجنة، لأن الله سبحانه وتعالى ما ذكر الإيمان إلا وقرنه بالعمل الصالح، والعمل الصالح الذي يُدخِل الجنة هو العمل الخالص لوجه الله عز وجل، والموافق للسنة، ما كان خالصاً وصواباً خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي في صحيح الجامع:((إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه ))
أيها الإخوة الكرام، أسباب تزيد عن الثلاثين سبباً، تدخل الجنة، بل إن واحد منها يدخل الجنة
السبب الأول الإيمان والعمل الصالح، الله عز وجل يقول:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)﴾(سورة البقرة)
أيها الإخوة: تعريف الولاية في القرآن الكريم:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾(سورة يونس)
فلمجرد أن تؤمن الإيمان الحق، الذي يحملك على طاعة الله، ولمجرد أن تعمل الأعمال الصالحة التي بينها النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا سبب كبير لدخول الجنة.
السبب الثاني: التقوى، وقد عرَّفها بعضهم أنها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، ومن تعريفات التقوى أيضاً أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، أي كما جاء في كتاب وسنة رسول الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف الله دون أن تخاف على صحتك، ينبغي أن تعتني بصحتك، أما هذا الذي يصوم وفي نيته أن الصيام يصون جسمه من المرض هذه ليست عبادة، أن تأتمر بما أمر، وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر بنية التقرب إلى الله عز وجل، والله عز وجل حينما يقول:
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾(سورة آل عمران)
فإذا كنت مؤمناً ولك عمل طيب وكنت متقياً لله عز وجل، بتعريفات التقوى فقمت بسببين من أسباب دخول الجنة، ثم إن الله عز وجل يقول:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾(سورة النساء)
حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي، فتضع مصلحتك التي تتوهمها تحت قدمك، وتلتزم الحكم الشرعي، أنت بتفاصيل الحياة تطيع الله ورسوله، في الكليات شيء واضح تماماً، أما في تفاصيل الحياة هذا القرض فيه شبهة ربوية، هذه التجارة فيها شبهة المادة محرمة، هذه العلاقة فيها شبهة، أنت في تفاصيل حياتك حينما تلتزم أمر الله عز وجل، وتبتعد عما عنه نها، وتؤثر طاعة الله على مصلحتك التي تتوهمها، فهذا سبب ثالث لدخول الجنة، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً (17)﴾(سورة الفتح)
وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما ورد في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى))
إذاً طاعة الله فضلاً عن الفرائض المعروفة في تفاصيل حياتك في تزويج ابنتك، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، في كسب مالك، في قضاء أوقات فراغك، في علاقاتك الاجتماعية، حينما تلتزم أمر الله في تفاصيل الحياة فهذا سبب رابع لدخول الجنة، والسبب الخامس هو الجهاد في سبيل الله، سواء أكان الجهاد جهاد النفس، والهوى وقد سماه الرسول الكريم في صحيح الأحاديث الجهاد الأكبر، وسواء كان الجهاد دعوياً وقد وصفه الله عز وجل بأنه الجهاد الكبير قال تعالى:
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾(سورة الفرقان)
وسواء أكان الجهاد القتالي كما ترون وتسمعون كل يوم أيضاً هذا جهاد قتالي، الجهاد في سبيل الله أحد أكبر أسباب دخول الجنة، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ﴾(سورة التوبة)
الجهاد جهاد إنفاق المال.
﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)﴾(سورة الصف)
وأحد أسباب دخول الجنة التوبة، فالتائب كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن ماجه:(( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ))
وقال الله عز وجل:﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60)﴾(سورة مريم)
التوبة أحد أبواب دخول الجنة، لأن الله يحب التوابين
﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)﴾(سورة النساء)
فالتوبة باب من أبواب الجنة، والجهاد في سبيل الله، جهاد النفس والهوى، والجهاد الدعوي، والجهاد القتالي، وجهاد إنفاق المال، من أبواب دخول الجنة، وطاعة الله عز وجل في تفاصيل حياتك باب من أبواب دخول الجنة، التقوى باب من أبواب دخول الجنة، الإيمان والعمل الصالح باب من أبواب دخول الجنة.
أيها الإخوة: الاستقامة على دين الله، يقول الله عز وجل:﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
تعرفوا إلى الله وتعرفوا إلى منهجه، ثم حملوا أنفسهم على لزوم منهجه.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)﴾(سورة الأحقاف)
أنا آتيكم بالآية والحديث الصحيح، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ ))(صحيح مسلم)
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾(سورة فصلت)
السبب الثامن: دققوا أيها الإخوة، السبب الثامن لدخول الجنة طلب العلم لوجه الله تعالى، أن تأتي إلى مجلس علم لا تبتغي إلا وجه الله تعالى، أن تأتي إلى مجلس علم تبتغي أن تعرف الله من خلاله، أن تأتي إلى مجلس علم تبتغي أن تعرف أمره ونهيه، تبتغي أن تعرف سنة رسوله، أن تعرف الأحكام الشرعية لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )) (سنن الترمذي)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ...)) (صحيح مسلم)
أيها الإخوة الكرام وأحد أبواب دخول الجنة بناء المساجد، عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ)) (صحيح البخاري)
أنا أعدد في هذه الخطبة ثلاثين سبباً لدخول الجنة وكلها في الآيات والأحاديث الصحيحة، حسن الخلق باب كبير من أبواب الجنة، سبب خطير من أسباب دخول الجنة، قال عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَنَا زَعِيمٌ - أي أنا أضمن - بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)) (سنن أبي داود)
هذا الجدل العقيم، بالتعبير الدارج العي في الدين، دعه ولو كنت محقاً، إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودنيها
((أَنَـا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ))
أحد أسباب دخول الجنة حسن الخلق، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، وقد سوئل عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْج))(سنن الترمذي)
شهوتا الطعام والشراب وشهوة الجنس، والسيدة عائشة رضي الله عنها لخصت خلق النبي عليه الصلاة والسلام بكلمتين، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ:
((سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ)) (مسند الإمام أحمد)
الأخلاق العالية التي تبتغي بها وجه الله أحد أكبر أسباب دخول الجنة، بل إن الله تعالى حينما أراد أن يثني على نبيه صلى الله عليه وسلم آتاه من الخصائص ما نعجز عن إحصائها، الفطانة والبلاغة والذاكرة القوية، والحكمة والمعجزات، حينما أثنى أثنَى عليه بحسن الخلق، قال تعالى:﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾(سورة القلم)
والسبب الحادي عشر لمن ترك المراء كما قلت قبل قليل وهو محق
((أَنَـا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ))
وهو السبب الثاني عشر.
أيها الإخوة الكرام: أما السبب الثالث عشر المداومة على التطهر عند كل حدث، والمحافظة على صلاة ركعتين بعد كل أذان، عَن أَبِي بُرَيْدَةَ قَالَ:
((أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إِلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ فَقُلْتُ أَنَا عَرَبِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُلْتُ أَنَا قُرَشِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ قُلْتُ أَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا...))(سنن الترمذي)
والسبب الرابع عشر الذهاب إلى المسجد والعودة منه لأداء الصلوات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)) (صحيح مسلم)
النزل كما في شرح الإمام النووي: ما يهيأ للضيف عند قدومه، والسبب الخامس عشر الإكثار من السجود لله تبارك وتعالى، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ:
((كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي سَلْ فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ قَالَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)) (صحيح مسلم)
والسبب السادس عشر الحج المبرور.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))(صحيح البخاري)
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فالحج المبرور من دون فسق ولا رفث أحد أسباب دخول الجنة، والسبب السابع عشر قراءة آية الكرسي دور كل صلاة مكتوبة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَفَاتِحَةَ حم الْمُؤْمِنِ إِلَى قَوْلِهِ ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) لَمْ يَرَ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يُمْسِي لَمْ يَرَ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى يُصْبِحَ))(سنن الدارمي)
حينما أقول من قرأ آية الكرسي أي قرأها واستوعب معانيها وعمل بها، إياكم ثم إياكم أن تفهم هذه النصوص على أنه يكفي أن ترددها بلسانك، لا.
((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله))
(ورد في الأثر)عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ...))(صحيح البخاري)
هذا الدعاء سيد الاستغفار...
((وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) (صحيح البخاري)
والسبب الثامن عشر صلاة اثنتي عشرة ركعة كل يوم وليلة تطوعاً لله عز وجل وهذه السنن الرواتب.
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَهَا وَاثْنَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاثْنَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ)) (سنن النسائي)
والسبب التاسع عشر إفشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام والصلاة بالليل والناس نيام.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ:
((لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ))(سنن ابن ماجة)
والسبب العشرون الصدق في الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحفظ الفرج وغض البصر وكف اليد مجموعة في حديث واحد، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)) (مسند الإمام أحمد)
السبب الحادي والعشرون خاص بالنساء: دين الرجل مؤلف من مائة ألف بند أما دين المرأة من خمس بنود دققوا، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))
والسبب الثاني والعشرون دققوا: قد يموت الأب والأم، وتبقى الأخت العانس عند أخيها، فإذا رعاها وأكرمها ودلها على الله، وتحمل نفقتها فأخته أو أخواته الثلاث سبب لدخول الجنة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ اتَّقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَامَ عَلَيْهِنَّ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ))(مسند الإمام أحمد)
رعاية بنات ثلاث أو أخوات ثلاث سبب كاف لدخول الجنة.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْه))(سنن الترمذي)
بنت واحدة تربيها على طاعة الله تحجبها تعلمها القرآن وحقوق الزوج، وتربيها تربية إسلامية صالحة، أما إذا تركتها تفعل ما تريد واستحقت دخول النار ورد في بعض الكتب أنها تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي.
والسبب الرابع والعشرون كفالة اليتيم.
عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)) (صحيح البخاري)
اليتيم له حق كبير، فمن كفل يتيماً وحسن رعايته وثمر له ماله وحفظه وقوم له أخلاقه وعرفه بربه فهذا سبب كاف لدخول الجنة.
والسبب الخامس والعشرون عيادة المريض أو زيارة أخ في الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا)) (سنن الترمذي)
من عاد مريضاً خاض في الرحمة خوضاً، أن تزور أخاً في الله تبتغي تمتين العلاقة معه، ليس لك عنده مصلحة، ما دعاك إلى هذا إلا أنه أخ في الله.
والسبب السادس والعشرون المحافظة على خصلتين.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّهم عَنْهمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((خَلَّتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَلَا وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا قَالَ فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ قَالَ فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ...))(سنن الترمذي)
ومرة ثانية لئلا تتوهموا أنه مجرد أن تقول هذا الكلام يجب أن تكون تعي معناه وتعمل به.
والسبب السابع والعشرون السماحة في البيع والشراء.
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا الْجَنَّةَ)) (سنن النسائي)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَالَ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى)) (صحيح البخاري)
والسبب الثامن والعشرون التجاوز عن المعسر.
عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ فَقِيلَ لَهُ مَا كُنْتَ تَعْمَلُ قَالَ فَإِمَّا ذَكَرَ وَإِمَّا ذُكِّرَ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فَكُنْتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَأَتَجَوَّزُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي النَّقْدِ فَغُفِرَ لَهُ)) (صحيح مسلم)
إنظار المعسر من الأعمال الصالحة الكبيرة، هناك من يتجبر ويضعه في ظرف يبيع بيته ويحيجه أن يبيع أساس بيته، فإنظار المعسر عمل من أعظم الأعمال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ))(صحيح مسلم)
والسبب التاسع والعشرون مجموعة أعمال إذا اجتمعت في المسلم في يوم واحد دخل الجنة بفضل الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ))
(صحيح مسلم)
والسبب الثلاثون لدخول الجنة الصبر على فقد نعمة البصر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ))(سنن الترمذي)
أيها الإخوة الكرام: الخطبة موجزة، وقفت عند كل سبب وقفة قصيرة ذكرت النص فقط، لكن لو أردنا التوسعة لكل نص حديث طويل، لكن أضعكم أمام أسباب كلها في متناول أيديكم مع الإيمان بالله الصحيح ومع الإخلاص له وطاعته، هذا كله متوافر لكل مسلم، فمادام البيت كعقاص الغنم، ولا يدري المقتول لما قتل، ولا القاتل فيما يقتل، ومادام الخطر جاثماً على جميع المسلمين في شتى بقاعهم، ومادام الموت قريباً من كل إنسان فلذلك لابد من أن نستعد لهذه الجنة، وهذه أسبابها.
أيها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الأحباب: من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامعة المانعة قوله: ((لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ))، كل شيء بيد الله.
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾(سورة هود)
في الحياة أشياء مخيفة جداً، وقوى طاغية، وأسلحة فتاكة، وسجون لا تحتمل، وترون كيف ان بعض المسلمين يصب عليهم البلاء صباً، الشيء الدقيق أن الإنسان ينبغي أن يوحد، قال تعالى:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾(سورة محمد)
الأمر بيد الله، ولا تخشى إلا الله، والفعال والقهار والمعطي والمانع والمعز والمذل هو الله، الأمر كله بيد الله ((لا يخافن العبد إلا ذنبه))
فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
لا ترى أن هذا الذي يجري قهراً من طغاة، بل هو تربية من الله عز وجل
((إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها)).
أيها الإخوة الكرام: الأحداث التي تجري يتفاوت الناس في فهمها، فبينما أن يرى قوة طاغية مزودة بأسلحة لا تقاوم، وهي تملي إرادتها وقهرها وظلمها وجبروتها على الناس، وبين أن ترى أن هذا تأديب من الله عز وجل.
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾(سورة القصص)
والله هذه الآية تكفي.
اسمع إلى كل خبر وحلل واسمع تحليلات وأدلي برأيك وعارض رأي الآخرين، لكن لا تنسى أن الله موجود، وقادر في أي لحظة أن يقلب موازين القوى كلها، لا تنسى أن الله موجود وفعال.﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَه﴾(سورة الزخرف)
﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾(سورة الكهف)
لا تنس أن يد الله فوق أيديهم، وأن الله إذا كان معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ما من وقت يحتاج المسلمون إلى أن يكونوا مع الله ملتزمين أمره محبين له كهذا الوقت، نحن في زمن عصيب، ولو أن لهذا الزمن فضلاً علينا هو تلك الشدة التي تسوقنا إلى باب الله تعالى، وإلى الصلح معه والتوبة له وطاعته، فرب ضارة نافعة.﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾(سورة البقرة)
النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التفاؤل ويكره التشاؤم، هذه شدة، لكن ما من شدة إلا ومعها شَدة إلى الله، وهذه محنة وما من محنة إلا ومعها منحة من الله عز وجل.
أيها الإخوة: رأيت مرة في متحف قطعة ألماس قيل أن ثمنها مائة وخمسين مليون دولار، أكبر قطعة الماس في العالم بحجم البيضة، قلت الألماس من الفحم، لو جئنا بقطعة فحم من حجمها كم ثمنها ؟ قروش ! قطعة ثمنها مائة وخمسين دولار وقطعة من جنس واحد ثمنها قروش، كيف يصبح الفحم ألماساً ؟ من شدة الضغط والحرارة، فالضغط والحر الذي لا يحتمل يجعل من هذا الفحم ألماساً، فهذه المصائب لعلها تدفعنا إلى البطولة ولمراجعة أنفسنا، وإعادة حساباتنا، وإصلاح ذات بيننا، وتحجيب نسائنا وتحري الحلال في دخولنا، وإلى العمل الصالح لآخرتنا، رب ضارة نافعة.
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
لا تنس أن الله موجود، ولا تنسى أن يسمح لخلق من خلقه أن يفعلوا ما يشاؤون، الكافر لا يسبق الله عز وجل، لا يفعل إلا شيئاً سمح الله به لحكمة بالغة، خطط الكافرين تستوعبها خطط الله عز وجل، هذا هو التوحيد، التوحيدُ مريح، ما من وقت نحن في أمس الحاجة إلى التوحيد كهذا الوقت.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾(سورة آل عمران)
نحن في أمس الحاجة إلى التوحيد إلى أن نرى أن يد الله تعمل وحدها، وأن كل هذا الذي ترونه من طغاة ومتجبرين وعتاة ومجرمين إنما هم عصي بيد الله عز وجل، لا يسمح لهم إلا بالقدر الذي أراد، فالأمر بيد الله وحده، وهذا التوحيد يملأ النفس رضا وطمأنينة واستسلاماً في قضاء الله وقدره.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة