سياسة هدم البيوت، لضرورات الردع في مواجهة الاعمال «الارهابية»، التي تطبقها إسرائيل في «المناطق»، تتناقض مع القانون الاسرائيلي، وتشكل خرقا خطيرا لالتزامات الدولة أمام ميثاق روما والقانون الدولي. في ظروف محددة يمكن لهذه الخروقات أن تعامل على أنها جرائم حرب وفقاً للقانون الدولي، حيث سيكون هذا الأمر من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
عدم قانونية هذه السياسة تحظى بمزيد من الحدة إزاء الاستنتاجات التي خلصت إليها لجنة الجنرال أودي شني لسنة 2005، والتي نفذت بقرار من رئيس الاركان آنذاك، موشي يعلون، إذ اثارت الشك في اخلاقية هذه السياسة، وقانونيتها وفاعليتها. وحقيقة أن الدولة تستخدم هذه العقوبة فقط في مواجهة الفلسطينيين، ولم يحدث ان درست امكانية استخدامها ضد اليهود ممن ينفذون عمليات ارهابية، من شأنها أن تزيد من إشكاليتها.
قضت المحكمة العليا في عدد كبير من الحالات المرتبطة بأعمال «ارهابية» نوعية، أنه بشكل عام، فإن هذه السياسة قانونية. هذه الفتوى لا تتوافق مع التفسيرات المقابلة للقانون الدولي، وتتناقض مع قرارات المحكمة العليا في مواضيع اخرى، جرى فيها التأكيد على المسؤولية الشخصية للعمل. تدمير البيوت هو عقاب جماعي جرى تنفيذه ضد الآلاف من أبناء العائلات بما فيهم الاطفال، وهم في معظم الحالات لم يعلموا ولم يؤيدوا الاعمال «الإرهابية»، لذلك هي تخالف القانون الدولي والاعراف الدولية المرعية في هذا النطاق.
ادعاء الدولة بأن هدم البيوت يردع «المخربين» المحتملين لم يثبت صحته أبداً، وكذلك قرار المحكمة العليا بأن هذه السياسة تتلاءم مع معايير الاثبات المطلوب لدى القانون الدولي لغايات اتخاذ اجراءات امنية خطيرة، هو قرار خاطئ. هذه السياسة تدعي بأنها تستند إلى ادعاء وحيد: الحاجة إلى ردع «المخربين». ولكن معيار الاثبات الذي قررته المحكمة لحاجات إثبات هذا الادعاء ضعيف إلى درجة لا سابق لها، ولا يتماشى مع المعيار المطلوب لدى القانون الدولي.
مؤخرا قدمت ثماني منظمات لحقوق الانسان التماسا للمحكمة العليا ضد سياسة هدم البيوت. هذا الالتماس تم دعمه برأي استشاري لمجموعة خبراء (البروفيسور يوبال شني، والبروفيسور مردخاي كارمنيتسر، البروفيسور أرنا بن نفتالي وكاتب هذه السطور)، وفقا لهذه المشورة فإن هدم البيوت هو خرق خطير وبارز للقانون الدولي. هذا الالتماس أعطى المحكمة العليا فرصة نقاش اساسي حول قانونية هذه السياسة، ودون ربطها بحادثة «ارهابية» نوعية. في كانون الاول 2014 رفض الالتماس على ايدي القضاة اليكيم روبنشتاين، نوعم سولبرغ، واستر حيوت. ولكن وفقا لرأيي، فإن هذا الحكم محمَّل بتناقضات داخلية، ومبرر بطريقة غير مقنعة، ويتناقض مع المبادئ المؤسسة لمحكمة العدل العليا ذاتها في نطاقات مشابهة، فيها توفر عامل الحسم بين الحاجات الامنية وحقوق الانسان في «المناطق».
تقدم الملتمسون بطلب اعادة النقاش في الالتماس. اعادة النقاش بتركيب موسع للمحكمة، بما يتيح للمحكمة ان تقرر بأن هذه السياسة غير قانونية وان تصدر امرها للدولة بوقف اعمال هدم بيوت «المخربين». لا يجوز للمحكمة العليا ان تقرر بأن سياسة العقاب الجماعي هي سياسة قانونية، ولا يجوز لها السماح بخرق إسرائيل لالتزاماتها امام القانون الدولي.
لإسرائيل الحق ويجب عليها ان تحارب «الارهاب» الممارس ضدها، ولكن عليها ان تفعل ذلك بطريقة قانونية. استخدام وسائل غير قانونية وغير اخلاقية هو بمثابة انتصار لمنظمات «الإرهاب» وللقتلة العاملين باسمها. يجب على المحكمة الامتناع عن تأييد استخدام هذه الوسائل. هذا التأييد من شأنه أن يقوض قدرتها على ان تشكل سترة واقية قانونية في مواجهة هجوم قانوني على دولة اسرائيل، قادتها ومحاربيها.
اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كدولة مراقب، وانضمامها لمحكمة الجنايات الدولية، تزيد من حدة الحاجة لاصدار قرار قضائي شجاع في موضوع لا قانونية هدم البيوت. وهذا ما يعرض مواطني الدولة المشاركين في عمليات هدم البيوت ليمثلوا أمام محكمة الجنايات الدولية وفقا لميثاق روما. وإذا تمت ادانتهم امام المحكمة الدولية، حينها ستثار المسألة حول مدى المسؤولية الجنائية للمستشارين القانونيين، وكذلك على قضاة المحكمة العليا، ممن صادقوا على استمرار هذه السياسة.
وبالطبع، ليست هذه مهمة سهلة على قضاة محكمة العليا بالاعتراف بأنهم اخطؤوا، خصوصا عند احتساب سلسلة طويلة من قرارات المحكمة التي صادقت على سياسة هدم البيوت. ولكن كل انسان يمكن أن يخطئ، والمحكمة ليست ملزمة بتقييد نفسها بأحكامها السابقة. جميلة هي في هذا الصدد أقوال رئيس المحكمة العليا، اهارون باراك، والذي غير موقفه ازاء الاعتقال والاحتفاظ باشخاص «كأوراق مساومة»، عندما قال: «كل واحد منا معرض للخطأ، استقامتنا المهنية تلزمنا بالاعتراف بالخطأ عندما نقتنع بأننا فعلا أخطأنا.»
نأمل في أن تقرر المحكمة عقد جلسة استماع ثانية في القضية، وفيها يعلن على عدم قانونية هدم بيوت «المخربين».
عن «هآرتس»