فوضى السلاح الكيماوي في المنطقة

السلاح-الكيماوى-السورى
حجم الخط

وجّه رئيس جهاز الاستخبارات الأميركي، جيمس كلابر،الأسبوع الماضي،  تحذيراً استراتيجياً علنياً إلى دول المنطقة جاء فيه: الولايات المتحدة غير قادرة حقاً على التأثير في انتشار السلاح النووي، ولا نستطيع مساعدتكم في مواجهة عدو نووي، وعلى كل دولة أن تتحمل المسوؤلية عن حماية نفسها.
 جرى تمرير هذه الرسالة بين الأسطر خلال محاضرة ألقاها كلابر في معهد للأبحاث في نيويورك، أعلن خلالها أن محاولة حمل كوريا الشمالية على التخلي عن سلاحها النووي «باءت بالفشل»، بحسب تعبيره، وقال عملياً إن الولايات المتحدة سلمت بحيازة كوريا الشمالية للسلاح النووي. وقد فهموا في وزارة الخارجية الأميركية المغزى الخطير لهذا الكلام، فسارعوا إلى إعلان أن الولايات المتحدة مصرّة على تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، لكن من يصدقهم؟
لا يزال مسؤولون كبار في إسرائيل يتذكرون كيف شرح لهم رؤساء أميركيون قبل عقد من الزمن أن كوريا الشمالية لن تملك سلاحاً نووياً أبداً. واليوم يبدو الاتفاق النووي مع إيران نسخة عن القصة النووية لكوريا الشمالية. وبالنسبة إلى إسرائيل فإن إعلان كلابر هو إشارة إلى تجدد السباق على السلاح غير التقليدي في الشرق الأوسط. وفي تقدير المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) أنه في اليوم الذي ستُرفع فيه القيود المصرفية عن إيران فإنها ستبدأ بقضم الاتفاق النووي، ولذا فإن الأنظار موجهة إلى ثلاث دول: مصر وتركيا، اللتين لن تتركا المنطقة في يد قوة عظمى شيعية تملك سلاحا نوويا، وإلى السعودية التي اشترت حقوق لقنبلة نووية من باكستان. لقد عاد الشرق الأوسط إلى سباق التسلح غير التقليدي، وفي إسرائيل بدأوا ينظرون بقلق إلى الحقبة الجديدة.
على صعيد السلاح الكيميائي فإن المنطقة في بحر هائج. في نهاية تشرين الأول 2002 أصيب العالم بصدمة عندما اتضح له أن 129 مشاهداً بريئاً قضوا بمواد كيميائية استخدمتها القوات الخاصة الروسية لمحاربة إرهابيين من الشيشان سيطروا على قاعة مسرح. هذه المادة القاتلة التي وصلت إلى سورية مع الجيش الروسي يستخدمها اليوم، بشكل متكرر، الجيش السوري، بينما يتهم النظام السوري المتمردين باستخدام أسلحة كيميائية – وهو أيضاً على حق.
ثمة خلاف في الإعلام العربي بشأن من هي الجهة التي سمّمت قبل أيام 35 مواطناً في حي الحمدانية في حلب. يدّعي المتمردون أن سلاح الجو السوري ألقى براميل سامة، بينما يدّعي النظام السوري أن المتمردين هم الذين استخدموا قذائف سامة. وكانت اللجنة التي عينها مجلس الأمن للتحقيق في استخدام السلاح الكيميائي أشارت في تقرير رفعته إلى الأمم المتحدة في نهاية آب إلى انتشار استخدام السلاح الكيميائي في القتال في سورية. وأكد تقرير منظمة منع انتشار السلاح الكيميائي التابعة للأمم المتحدة في تشرين الأول، مواصلة الحكومة السورية القيام بهجمات بالغاز السام.
وثمة تهديد بانتشار السلاح الكيميائي في العراق أيضاً. ففي الأسبوع الماضي نشرت الصحف الأميركية صوراً لجنود أميركيين في جنوبي الموصل يرتدون أقنعة مضادة للغازات السامة. والخوف من استخدام تنظيم «داعش» أسلحة كيميائية خلال المعركة على الموصل ليس نظرياً، فقد فقد عُثر في إحدى القرى التي كانت تحت سيطرتهم على دلائل تشير إلى غاز الخردل، وتتحدث أجهزة استخباراتية غربية مطلعة عن وجود شخص عسكري بين قياديي «داعش» في الموصل خدم في الوحدات الكيمائية في جيش صدام حسين.
وهكذا تحول القتال الكيميائي في الشرق الأوسط إلى أمر  روتيني وعنصر ردع تملكه الدول العظمى في مواجهة عناصر محلية تخزن أسلحة كيميائية أو تستخدمها بصورة خفية. ووصل هذا الردع إلى الذروة في العام 2013، عندما هددت الإدارة الأميركية بمهاجمة نظام الأسد إذا واصل مهاجمة مواطنيه بالوسائل الكيميائية، لكن حالياً لم يعد هناك وجود لهذا الإصرار الأميركي، وحتى التعاون مع الروس انهار - ولم يعد هناك قوة عظمى تسيطر على المنطقة.
في المحصلة النهائية تقف إسرائيل في مواجهة أعداء محتملين - دول أو جهات إسلامية متطرفة - حولوا السلاح الكيميائي إلى وسيلة قتال شرعية.

عن «يديعوت»