رابــيــن عــلّـمــنـي كـيـف تــكــون الــزعــامــة ..

20160411084036
حجم الخط

بقلم: موشيه بوغي يعلون*

يُذكر اسحق رابين الرجل، المقاتل، القائد، السياسي، أولاً وقبل كل شيء كزعيم. 
من التقاه وتأثر بشخصيته الخاصة، ومن تابع طريقه العسكري والسياسي لاحظ على الفور زعامته. 
قدرته على اتخاذ القرارات، الصعبة أحيانا والمنطوية على خطر الحياة، عمق تفكيره، تجربته الهائلة، باتساع اليراع. 
زعامة غير منفعلة، قوتها وشدتها ليستا في الكلام العابث بل في الحراثة العميقة والهادئة، في الشحنة الشخصية والوطنية التي لا مثيل لها وفي المعرفة بأنه يخدم شيئا ما أعظم وأهم منه، أهم منا جميعا.
خدمت تحت قيادة اسحق رابين، رئيس الوزراء ووزير الدفاع، في عدة مفترقات في مناصبي كمقاتل وكقائد في الجيش الإسرائيلي، وفيها كلها كان رابين بالنسبة لي وبالنسبة لأبناء جيلي مرجعية، زعيما يمكن النوم بهدوء حين تكون يداه على دفة الأمن القومي، وبالتأكيد يمكن التعلم منه لعالم بأكمله.
عرفنا حساسيته لحياة الإنسان. كمن فقد في حروب إسرائيل الكثير من رفاقه – "شبان خرجوا، وسيمون ويانعون كنبتة الحقل إلى أن نالهم الرصاص وشظايا الموت الفتاكة"، كما كتب س. يزهار – كانت مغروسة فيه المعرفة بأن الحرب هي المخرج الأخير، في كل وقت. كمقاتل وكقائد عرف اسحق كيف يستخدم القوة، ولكنه كان يعترف أيضا بقيودها؛ سعى إلى السلام ولكنه كان واعيا؛ فهم جيدا الواقع الاستراتيجي المعقد الذي تقف أمامه إسرائيل، ولم يضل خلف الأوهام.
كل حياته كان اسحق مجنداً في سبيل الدولة، والقلق على مستقبله ومستقبل الأجيال التالية رافقه في كل خطوة وشبر. 
الجيش الإسرائيلي كان في بؤبؤ عينه. "أنا فخور وسعيد بأنه اعطي لي الشرف للخدمة في الجيش الاسرائيلي الذي هو الاطار الاروع الذي أقامته دولة اسرائيل"، كتب في برقية الوداع حين أنهى مهام منصبه كرئيس للاركان.
التقيت اسحق في ساعات كثيرة من المداولات الأمنية والمصادقات على العمليات الخاصة. 
لدى خروجنا إلى الجبهة الداخلية للعدو والى غيرها من العمليات التي أقرها، انكب معنا ساعات طويلة على الخرائط والصور الجوية، وكان ينزل حتى أكثر التفاصيل صغراً. يبث علينا من تجربته الجمة، دوما كان حادا كالسيف ويسأل الأسئلة الصحيحة. يساعدنا على الخروج إلى الدرب برأس هادئ وبعلم واضح بأنه يوجد لنا من يحرص علينا في الوطن.
ولكن يخيل أنه في ليلة واحدة قاسية وأليمة، في تشرين الأول 1994، وجدت زعامته تعبيرها بكامل قوتها حتى لمن لم ينل الفرصة في التعرف إليه بشكل شخصي أو شاركه في طريقه السياسي. 
فبعد بضع ساعات من اقتحام مقاتلي "سييرت متكال" البيت في بيرنبالا لإنقاذ الجندي المخطوف، نحشون فاكسمان، ولكن لشدة الاسف لم ينجحوا في مهمتهم وعادوا إلى قاعدتهم بلا نحشون وقائد الفريق النقيب نير بوراز، وقف اسحق أمام كاميرات التلفاز وكان الجمهور الاسرائيلي مصابا بالكرب وأعلن: "انا، كرئيس للوزراء ووزير للدفاع، أتحمل المسؤولية عن قرار العملية التي نفذت هذا المساء ضد الارهابيين الذين اختطفوا نحشون فاكسمان رحمه الله".
هكذا، بجملة واحدة، أبدى رابين قدوة في المسؤولية والزعامة الوطنية والرسمية. فلم يدحرج المسؤولية الى الادنى، لم ينثر المعاذير ولم يختبئ خلف ضباط الجيش الاسرائيلي والمقاتلين في الميدان. هذه زعامة بكامل عظمتها.
صحيح أن الحياة عادت إلى مجراها منذ ذاك السبت الاسود في الميدان في تل أبيب، ولكن اسرائيل لم تنتعش بعد من الاغتيال. اساسات البيت الذي تربينا فيه اهتزت بشدة غير مسبوقة، وعالمنا، مثلما عرفناه حتى ذلك الحين – لم يعد إلى سابق عهده. 
هذه الهزة تلزمنا بأن نحرص على قيمنا ونكافح في سبيلها. إذ إنها هي الجدوى من مواصلة وجودنا كشعب وكأمة وكي نتمكن من أن نقيم هنا مجتمعا مثاليا.
هذا واجبنا تجاه دولة اسرائيل، وهذا واجبنا تجاه الأجيال القادمة. 
هذا هو أحد الدروس المركزية من تلك الليلة المريرة في 4 تشرين الثاني 1995.

عن "يديعوت"
*وزير الدفاع السابق.