تأخرت معركة تحرير الموصل من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي أكثر من عامين تقريباً، على قاعدة أن هذه المعركة لن تكون سهلة، وأن خسائرها لن يتحمّلها الجيش العراقي أو حلفاؤه.
«داعش» أو ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية ليس إلاّ صنيعة خارجية من أجل تفتيت ما تبقّى من دول وطنية ما زالت تحافظ بالحدّ الأدنى على تماسكها... وليس صدفةً أن يكون من بين الدول التي غُرس فيها تنظيم «داعش» العراق وسورية... الدولتان اللتان تبنّتا الفكر القومي واستمرتا في تبنيه إلى أن تمكنت القوى الغربية من تدميرهما وتفتيت أوصالهما حتى 50 عاماً مقبلًة، كما توقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل عدة أشهر.
في أقلّ من ثلاثة أيام كان تنظيم «داعش» يسيطر على ثلث مساحة العراق، ويستولي على مليارات الدولارات من موجودات البنوك والمؤسسات الحكومية، وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر الأميركية الحديثة التي تسلّمها الجيش العراقي.
والسؤال، كيف تمكن بضع مئات أو آلاف من تنظيم إرهابي من هزيمة جيش بكامل معدّاته... حيث إن تراجع الجيش العراقي كان مخزياً في حينه، والقصص التي خرجت في حينه عن الرعب الذي خلّفه «داعش» في صفوف العراقيين كانت أشبه بالخيال.
بعد ذلك، تمدّد هذا التنظيم إلى الأراضي السورية، وتمكن، أيضاً، من السيطرة على مدن وقرى سورية بأكملها، وحتى التمدّد من في مناطق واسعة، بل وتمكن من إقامة بنية اقتصادية وعسكرية معتمداً بالأساس على تهريب النفط بمشاركة دول إقليمية.
بالنسبة لنا كفلسطينيين، فإن ما قام به هذا التنظيم، كان أشبه بمنع الأوكسجين عن القضية الفلسطينية عبر حرمانها من عمقها العربي... الأخطر من ذلك أن هذا التنظيم وبعكس التنظيمات المشابهة الأخرى، لم تتضمن أدبيّاته أي شيء يذكر عن فلسطين، ولم تكن القضية الفلسطينية مدرجة على أجنداته... بل على العكس، لم ير في القضية الفلسطينية شأناً ذا أهمية.
لا شك في أن هناك أطرافاً خارجية هي التي صنعت هذا التنظيم وخلقت فيه هذه الروح من أجل تحقيق مصالحها، وإعادة رسم حدود المنطقة بطريقة أسوأ مما فعلت اتفاقية (سايكس ـ بيكو). الأخطر من ذلك أن هذا التنظيم أعاد إحياء النعرات الإثنية والطائفية والمذهبية في المنطقة، بحيث أصبح الانتماء إلى الدين أو الطائفة أو المذهب أهمّ من الانتماء إلى الوطن، الأمر الذي أوجد نزعات انفصالية بين مكوّنات الدول المستهدفة وخاصة العراق وسورية.
كما أن هذا التنظيم بعملياته الإرهابية سواء في المنطقة العربية أو في أوروبا وحتى في أميركا، خلق ثقافة معادية للعرب والمسلمين. وأعطى تصوُّراً للمواطن الغربي بأن هذا التنظيم يعبّر عن فكر يؤمن به كل العرب والمسلمين، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب.
والسؤال الذي لا يزال يطرح نفسه دون إجابة أو أن الإجابة مفهومة سلفاً هو: من المستفيد من كل ما قام به هذا التنظيم؟! ومن الذي تحققت مصالحه من ممارسات هذا التنظيم؟!
بناء عليه، فإن من قام بخلق هذا التنظيم أطلق رصاصة الرحمة عليه بعد أن أدّى الدور المنوط به، وخاصة في العراق.
وفي الوقت الذي تأكدت فيه القوى التي استفادت من هذا التنظيم أن الوقت قد حان للتخلص منه... أطلقت معركة تحرير الموصل.
المفاجأة في هذه المعركة أن كل التخمينات السابقة حول قوة التنظيم وقدراته على المواجهة لم تكن سوى فزاعات أطلقتها القوى التي خلقت هذا التنظيم... واليوم مع الانهيار السريع لما يسمى الدولة الإسلامية وسقوط كثير من قرى وأحياء الموصل في يد الجيش العراقي و(الحشد الشعبي) والذي للأسف يمثل بعداً مذهبياً هو الآخر، فإن هذا التنظيم وخلال أسابيع ربما أشهر سيصبح مجرد تاريخ في العراق... وإن استمرت عملياته هنا أو هناك.
الأمر الآخر أن صانعي هذا التنظيم سيحاولون دفع كثير من عناصره وكوادره إلى التوجه إلى سورية؛ لأن هناك عدواً مشتركاً يتمثل في الروس والنظام السوري... بمعنى آخر ستكتوي سورية خلال الأشهر القادمة، بمحاولات تقسيمها مذهبياً وطائفياً وعرقياً وهذا جزء من مخطط وُضِعَ للمنطقة منذ عقدين على الأقل.