العلاقات الفلسطينية الاردنية عميقة عمق التاريخ والجغرافيا وإستتباعاتها، التي تطال كل اوجه الحياة المشتركة بين الشعبين الشقيقين. ورغم كل المحطات الرمادية في تاريخ العلاقة بينهما، إلآ انها لم تفسد طابع العلاقات الاخوية المتين، نتاج حرص القيادتين على تعزيزها، وكونها مصلحة لكليها، فضلا عن ان العدو واحد اي كانت مناوراته واكاذيبه. التي تعرفها الشعوب والقيادات على حد سواء.
وابناء الشعب العربي الفلسطيني اينما كانوا جسد واحد، رغم كل التعقيدات، التي تحيط بهم، وأي كانت الجنسيات او الوثائق او مكان اللجوء والاقامة. وهؤلاء جميعا، هم ابناء قضية العرب المركزية. الذين حظي جزء كبير منهم برعاية اردنية مميزة، إن كان لجهة حمل الجنسية الاردنية، والتعامل معهم معاملة المواطن بكل معايير ودلالات الكلمة، إن كان لجهة حصولهم على الرقم الوطني او حق الانتخاب والترشح لكافة المنابر والهيئات التشريعية والنقابية والمنظمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية/ الاعلامية، ووصولهم لإعلى المراكز الوظيفية، أضف لانخراطهم في المؤسسة العسكرية والامنية. غير ان جزءاً من ابناء فلسطين لم يحصلوا على هذه المزايا لاعتبارات عدة، انهم وفودا الى المملكة في شروط مختلفة عن اقرانهم من سكان الضفة الفلسطينية اوالذين أقاموا في مدن ومحافظات الاردن الشقيق في اعقاب نكبة العام 1948.
ساحصر حديثي هنا عن ابناء قطاع غزة، الذين نزحوا في اعقاب هزيمة الرابع من حزيران عام 1967 الى الاردن الشقيق. وحصلوا على الجنسية المؤقتة، وتمكنوا من انتزاع عدد من الانجازات خلال الاعوام الخمسين الماضية كحق التملك والعمل والتعلم. غير ان حالهم وامتيازاتهم المتواضعة تراجعت بسبب قرارات الحكومات الاردنية المتعاقبة بعد تعاظم الهجرات العربية الى المملكة من العراق وسورية وليبيا ومصر ولبنان في اعقاب الازمات والصراعات العربية، حيث بات عدد الوافدين العرب في الاردن يصل لحوالي الخمسة ملايين نسمة. ووفق ما جاء في مقالة فهد الخيطان بعنوان "أبناء غزة معاملة لا تليق باشقاء" صحيفة "الغد" في الاول من نوفمبر الحالي:" لقد حولت الفرمانات الحكومية المتواترة بهذا الخصوص حياة الغزيين إلى جحيم، وحكمت على عشرات الآلاف منهم بالوقوع قسراً في دائرة الفقر والعوز، وطلب معونة لا يجدونها." وكان الصحفي الاردني الشهير قال " صادرت الجهات الحكومية مكاسب تاريخية لإبناء قطاع غزة في الاردن؛ كحق تملك الاراضي لغايات السكن، والتنافس الحر على القبول الجامعي. وألأسوأ انها، في الاونة الاخيرة، ساوت في المعاملة بين ابناء غزة، الذين لجأوا إلى الاردن قبل نحو خمسين عاما بعد ان شردهم الاحتلال من أرضهم، وبين عمال وافدين قدموا بمحض ارادتهم قبل اعوام لغايات العمل لبضع سنوات ومن ثم العودة لديارهم." وتساءل الخيطان "كيف يمنح طالبا من ابناء قطاع غزة مكرمة ملكية لدراسة الصيدلة في جامعاتنا، وبعد التخرج نمنعه من العمل؟ أي منطق في هذا السلوك المتناقض؟ ولماذا نحرم مؤسساتنا الصحية من أطباء أكفاء، فقط لانهم غزيون، ونقبل بسد النقص بأطباء من الاشقاء العراقيين وسواهم؟
لعل اسئلة الخيطان والمذكرة الموجودة على طاولة الحكومة الاردنية تضع الاصبع على الجرح بشكل موضوعي ومسؤول. وبالضرورة الجواب عند حكومة هاني الملقي، وقبل ذلك عند جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي ابدى دائما الحرص على تمتين الروابط الاخوية مع القيادة والشعب العربي الفلسطيني. ابناء غزة هاشم، التي فيها قبر جد الرسول صلى الله عليه وسلم، التي يتغنى الاردنيون جميعا بالصلة معها، احق بالرعاية والاهتمام من الوافدين الطارئين او المتأخرين. وطاقة وكفاءة العمل الفلسطينية يعرفها القاصي والداني في المملكة الشقيقة. وبالتالي لم يكن الفلسطيني إن كان غزاويا ام نابلسيا ام خليليا عبئا على إقتصاد المملكة، بل كان إضافة هامة في حقول الحياة المختلفة.
والشيء بالشيء يذكر، ساعرج سريعا على سياسة "عدم الممانعة" للفلسطينيين من ابناء غزة لدخول المملكة، وتمييزهم بالكرت الازرق عن اشقائهم من سكان الضفة، الذين يحصلون على الكرت الاخضر، والتمييز في المعاملة بين فلسطيني وفلسطيني، التي تحفظ عليها احد رؤساء الوزراء الاردنيين السابقين عندما زار فلسطين قبل شهور قليلة، واستمع لهذه المشكلة، قائلا "لايجوز التمييز بين فلسطيني وآخر طالما يحمل الجواز الفلسطيني، الذي تعترف به الجامعة العربي". واضم صوتي لصوت رئيس الوزراء الاسبق، واتمنى من القيادة الاردنية الشقيقة بكل مستوياتها التدخل الفوري لوقف السياسات غير الايجابية تجاه ابناء قطاع غزة او اي فلسطيني من اي بقعة على الارض، لان ما بين فلسطين والاردن من علاقات اخوية وثيقة وعميقة تحتم إعادة النظر، ووقف التمييز في العناوين المختلفة.