عشرة أعوام مرت على الإنقسام الفلسطيني وأحوال الفلسطينيين وقضيتهم تمضي للأسوأ، ولسان حال وعقل المتقسمون يقول لا صلح لا إعتراف لا إعتذار عن ما إرتكبه المنقسمين بحق الشعب والقضية، وما تعيشه من تراجع وتدهور وإنحطاط، وكأن عقارب ساعة التاريخ عادت بهم إلى بداية نكبتهم الأولى وهم يعيشون إرتدادات زلزال النكبة بنكبة الإنقسام. تسعة وتسعون عاماً على وعد بلفور المشؤوم، نحو قرن من الزمن ولم يتغير شيئ وسبعون عاما على النكبة والأحوال لم تتغير ولن تتغير وحال الشعب الفلسطيني في تدهور ومهمته أن يتذكر فقط لمواجهة النسيان، وفي مواجهة عدو يراهن على الزمن والنسيان. حتى إحياء الذكرى لم تكن كما كانت، وأصبحت كأنها ذكرى مخبئة بالصدور المحملة بالذكريات الأليمة والجروح الغائرة، وترافقها تظاهرات وإحتجاجات ونشاطات تعبر عن الظلم الذي يعانيه الفلسطينيين أصبحت من الماضي. الرئيس محمود عباس ومن على منصة الأمم المتحدة قال إن على بريطانيا أن تعتذر عن وعد بلفور الصادر قبل قرن، وأن تعترف بالدولة الفلسطينية، وإن الشعب الفلسطيني عانى كثيراً بسبب وعد بلفور الذي قالت فيه بريطانيا إنها تؤيد إقامة وطن للشعب اليهودي بفلسطين، وإنه ينبغي ألا يقوض ذلك حقوق الآخرين الذين يعيشون هناك. طلب الضعيف من القوي الذي يشارك حتى يومنا هذا بالجريمة و بالظلم الواقع على شعب هجر بالقوة ويعيش على أقل من ربع وطنه ومهدد في كل وقت بفقدان ما تبقى من أرض بفعل إستعمار كولونيالي عنصري فاشي لا ينفك عن المحاولة بتجريف وتحريف كل ما له علاقة بفلسطين التاريخ والهوية والإنسان. تسعة وتسعون عاماً مرت على الوعد المشؤوم ولا تزال الأمور على حالها. فالفلسطينيون لا يفعلون اليوم سوى مخاطبة العالم والتذكر، ولم يجدد الفلسطينيون خطابهم وتكتيكاتهم وأدوات ووسائل نضالهم ويبدو أنها لم تعد تفضي إلى شيء بفعل ذلك، والإنقسام الذي قضم ويقضم من رصيدنا الوطني المعنوي والمادي وما سببه من خيبات وانكسار، وفقدان الثقة من الناس بالثورة التي لم تعد ثورة، وحركة تحرر وطني تحولت إلى سلطة تبحث النخبة الحاكمة فيها عن مصالحها لإقتسام الغنائم، ولم تعد لديها القدرة على مواجهة الإختلال موحدة . مع هذا الحال لن يقدم صاحب صك بلفور أي إعتذار أو حتى تصحيح الخطأ التاريخي، صاحب الصك تحللت جثته ولم يعد يملك ما منحه، حتى حكومات بريطانيا المتعاقبة والحالية غير قادرة عن تصحيح ما إرتكب من ظلم وما ترتب عليه من تبعات أخلاقية وتاريخية وسياسية بحق الفلسطينيين ويعانون منها لليوم، ويكتفي عدد من الفلسطينيين بتدشين حملات ضغط ومناصرة على مواقع التواصل الإجتماعي للذكرى، لعلهم يستطيعوا التأثير على بريطانيا وبرلمانها وبقايا ضمير من الإنسانية. من دون إدراك خطورة الإنقسام وما ترتب عليه من تغيرات في المراكز القانونية والسياسية فلسطينياً وعربياً ودولياً ومدى خطورته على القضية وتأثير ذلك عليها حتى في إحياء ذكرى بلفور والجرائم التي إرتكبتها اسرائيل ولا تزال ترتكبها ستستمر المأساة. قرن من الزمن والأحوال على الأرض تزداد تعقيد وخطاب الرئيس والمطالبات والحملات لن تغير الكثير، فأيام ويعود الناس لحياتهم وتنتهي الحملات ومن دون تعديل السلوك الحاضر وإنهاء الإنقسام وإستشراف المستقبل سنعيش أسوأ مراحل حياتنا، ولم نعد نملك الإرادة الأخلاقية والوطنية بإنهاء الإنقسام وإتمام مصالحة وطنية لإعادة ترميم ما دمره الإنقسام والإقصاء والتفرد والرؤى السياسية الفاشلة لمواجهة خطاب صهيوني إستعماري ويمتلك كل أدوات القوة ليست العسكرية فقط، إنما ماكينة دعائية رهيبة وهائلة. على أهمية التحركات الفلسطينية ومناصريهم والحملات السياسية أو التي بديونها لكنها خجولة وضعيفة في هذه الأجواء المسممة الإنقسام والتواطئ الدولي وإختلال موازين القوة وفائض القوة الإسرائيلية. وفي موازاة المطالبة بالإعتذار والتعويض عن صك وعد بلفور، هناك إعتذار داخلي وأخلاقي عادل واجب من أهل الإنقسام بان يقدم للفلسطينيين وإذا لم يقدم ستستمر المسخرة.