* يوم 6/9/2016 جلس ثلاثة قضاة عسكريون يحاكمون أصغر أسير فلسطيني في سجون الاحتلال شادي فراح في المحكمة المركزية بالقدس، وكان شادي فراح يضع اصبعه في فمه خلال الجلسة، ويبحلق مندهشا في الحراس والموجودين، ويراقب انهماك القضاة في قراءة ملفه ولائحة اتهامه، اوراق كثيرة ، استنفار دولة بكامل عدتها ضد طفل يلوذ صامتا مبتسما.
شادي فراح يمص اصبعه وينظر الى امه الجالسة في القاعة، يقول لها: لم يكتمل الحليب يا امي، فطموني مبكرا، وها انا في قبضتهم انتظر الرضاعة في زمن آخر ، وانتظر حكاية ما قبل النوم، واتمنى من يشرح صدري الآن ويدثرني ويحميني من خوف وبرد، ويمد ذراعه اليّ كشجرة ياسمين خضراء ، ويفك القيد عن شفتي ويديّ.
باسم القانون وتحت غطائه المسلح وامنه اللامحدود، تحاكم دولة اسرائيل الطفل شادي فراح ، وخارج نصوص اتفاقية حماية الطفولة ،وخارج كل الاعراف الاخلاقية والانسانية، تقرر هذه الدولة ان هذا الطفل الجميل الهاديء المندفع كسهم في السماء، يشكل خطرا وجوديا على دولة اسرائيل ويجب محاكمته وزجه في السجن، لأن عمره القادم اطول من عمر الاحتلال.
شادي فراح يحمل قصص الآلاف من الاطفال الاسرى الذين فقدوا الكلام من هول ما تعرضوا له خلال الاعتقال، قادمون من البرد القارص من سجن عتصيون، او من التعذيب العنيف في سجن المسكوبية، على وجوههم دهشة الطفولة، غضب العينين الصغيرتين، رعشة الاصابع الرشيقة، اسئلة الحاضر والقادم في مدرسة العدالة الكونية .
قضاة المحكمة لا يريدون ان يسمعوا شهادات الاطفال عن اساليب التعذيب والتنكيل والتهديد بالتحرش الجنسي، وما تعرض له القاصر محمد معتوق 16 سنة في غرفة 4 في سجن المسكوبية ، وقد ابرحوه ضربا بالعصي على ركبتيه وظهره ورأسه وكسروه تكسيرا ، كانت حفلة ضرب مسائية في ليلة سبت اسرائيلية تجري على الجسد الصغير.
قضاة المحكمة لم يكترثوا لرواية الطفل عمر خالد اشتي 14 سنة والذي يعاني من مرض السكري، وهو يقول ان المحققين في مركز شرطة النبي يعقوب بالقدس نزعوا جهاز ضبط السكري المربوط على جسمه خلال استجوابه مقيدا ومعصوبا ومتألما، وذلك للضغط عليه صحيا وانتزاع اعترافات منه وانجاز البطولة قبل طلوع الفجر.
القضاة في المحاكم العسكرية الإسرائيلية يحاكمون يوميا العشرات من القاصرين ، ومدة المحكمة لا تستغرق سوى 4 دقائق و 3 ثوان فقط، ولكن مدة السجن طويلة ، وقيمة الغرامة المالية باهظة ، انهم يغلقون الملفات بسرعة كما يغلقون ابواب الحديد.
الاطفال اصبحوا مستهدفين رسميا من قبل دولة الاحتلال، اعتقالات واسعة و دون رحمة، اصطيادهم في الليل والنهار وفي ساحات المدارس، وخلال شهر تشرين اول من هذا العام داخل سجن عوفر اكثر من 150 حالة اعتقال للاطفال، بعضهم جرحى يمشون على عكاكيز، وبعضهم لازالت آثار الضرب واضحة على اجسادهم ، انهم راشقوا الحجارة الذين تجاوزوا اعمارهم ورفرفوا يبحثون عن سماء بلا سياج وأرض بلا حواجز.
شادي فراح يمص اصبعه ، النوم خارج اجفانه، والمساء من حوله دخان وصراخ، في ذاكرته جرح طري، كأنه ليس من هذا العالم، وقد وجد نفسه فريسة لدولة فاشية تنقض على الاطفال والتاريخ والمكان، تكره الخصوبة في الارض والنساء.
ام شادي ترفض الشعارات التي تحول الاطفال الى ابطال خارقين، تقول: هم اطفال يعشقون اللعب واللهو والجري في دروب احلامهم كالفراشات، انها وابنها في قاعة المحكمة اسيران لقوانين عنصرية تعسفية تتجرأ على اعتقال ومحاكمة الصغار، طفلها جاء الى الي الحياة بصرخة، وها هو يمضغ بصمت وحزن هذه الصرخة.
ام شادي تحن الى عناق ولدها، ان تسلم صوتها اليه، ان تغطيه بحبها وامومتها وتمسك يديه، ما اثقل اليوم في هذه المحكمة ، قضاة لا يخجلون من محاكمة طفل بريء، يخشون النظر اليه، قضاة عتاة على اكتافهم رتب عسكرية عالية، يدافعون عن امن دولة اسرائيل ضد هذا الانتباه الخارق في وجوه اطفال فلسطين، ضد الهمس والصوت والضوء في رشقة الحجر.