فاجأت نتائج الانتخابات الأميركية الإسرائيليين كما فاجأت الكثيرين في أرجاء العالم، ولكن بشكل أقل. فبعض الإسرائيليين كانوا ينظرون لدونالد ترامب على أنه مرشحهم كونه لم يدخّر وسعاً في تهديد العرب والمسلمين وتحقيرهم. صحيح أن بين الإسرائيليين من لاحظ أن نظرة ترامب للعرب والمسلمين لا تختلف جذرياً عن نظرته لليهود، ولكن شدّة عدائهم للعرب جعلتهم يغفلون موقفه منهم. غير أن هناك من يقدر أن الطمأنينة التي سادت في إسرائيل وجعلت قادتها لا يتخوفون من نجاح أي من المرشحين، تنبع من إدراك لعلاقات إستراتيجية قائمة بين الدولتين. وليس صدفة أن ترامب المعادي للمساعدات الخارجية الأميركية، أعلن أنه يرى في المعونة الأميركية لإسرائيل استثماراً لصالح الأمن القومي الأميركي.
على أي حال، يمكن القول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي سبق واكتوى بنيران التدخل في الانتخابات الأميركية، آثر هذه المرة تجنّب حرق أصابعه. وأمر جميع وزرائه بالامتناع عن إعطاء أي تقييمات أو تقديرات أو مواقف تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية. وحاول رجال نتنياهو القول إنهم يقفون على مسافة واحدة من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. ولكن الحقيقة الثابتة هي أنه إذا كان نتنياهو فعلاً يقف على مسافة واحدة من المتنافسين، فإنه لا يقف على هذه المسافة من الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي». ولا يخفي نتنياهو ورجاله ميلهم للجمهوريين الذين اكتسحوا مقاعد الكونغرس وزادوا أغلبيتهم فيه. وهذا بالتأكيد يسعد نتنياهو وحكومته.
وليس صدفة أن اليمين الإسرائيلي، رغم تجنب مسؤوليه الإعراب عن مواقفهم، كانوا جوهرياً يميلون إلى ترامب. وقد قفز زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت فرحاً وهو يهتف قائلاً إن فوز ترامب يعني نهاية فكرة الدولة الفلسطينية. كما هرع العديد من قادة اليمين إلى مطالبة ترامب بتنفيذ وعده بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ورأى الوزير الليكودي السابق والمنافس الحالي لنتنياهو، جدعون ساعر أن فوز ترامب يشكل «فرصة كبرى لإسرائيل كي نبني بشكل واسع في القدس وكي تضمن مستقبلها، وأيضاً خلافاً للماضي هناك فرصة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس».
أما وزير التعليم، نفتالي بينت، فعلّق على انتخاب ترامب بقوله: «أبارك للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. ونحن نشكر لهيلاري كلينتون صداقتها لإسرائيل. وواثقون أن العلاقة الخاصة بين أميركا وإسرائيل ستبقى، بل ستتعزز. هذا انتصار للحقيقة البسيطة على البديهيات القديمة المتفككة، انتصار لمصلحة الدولة على مصالح النخب التي تزداد انهيارا أمام أنظارنا».
وأضاف أن «هذه فرصة هائلة لإسرائيل كي تعلن فوراً تراجعها عن فكرة إنشاء فلسطين في قلب البلاد، الأمر الذي يشكّل ضربة مباشرة لأمننا ولعدالة طريقنا. هذه هي نظرة الرئيس المنتخب كما تظهر في برنامجه، وبالتأكيد هي ما ينبغي أن تغدو طريقنا. ببساطة ووضوح وحدة، انتهى عهد الدولة الفلسطينية».
أما رئيس الكنيست (من الليكود) يولي أدلشتاين، فهنّأ ترامب بفوزه عند افتتاح جلسة الكنيست وأعلن «باسمي وباسم كنيست إسرائيل، من هنا من القدس، تهانينا للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ونائبه مايك فنس».
وأضاف أن «علاقات أميركا وإسرائيل كانت دائماً وأبداً وثيقة ودافئة وأنا مقتنع أنها ستبقى كذلك في عهد ترامب. وأنا أتمنى للأمة الأميركية البقاء موحدة في مواجهة التحديات». وخلص موجهاً حديثه إلى الرئيس الأميركي المنتخب: «سيد ترامب، إن نجاحك هو أيضا نجاح لنا».
أما وزيرة العدل، أيضاً من «البيت اليهودي»، أييلت شاكيد فباركت انتخاب ترامب، وقالت إنها تنتظر منه نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وأعلنت أن «دونالد ترامب صديق حقيقي لإسرائيل وأنا واثقة أنه سيعرف كيف سيوجه بشجاعة العالم الحر نحو أهداف ناجحة في مواجهة الحرب العالمية ضد الإرهاب. وهذه فرصة للإدارة الأميركية لنقل السفارة الأميركية للقدس، عاصمة إسرائيل الأبدية. فهذا ما سيرمز إلى العلاقة الوثيقة والصداقة الشجاعة بين الدولتين».
ولم يخف النائب المتطرف جداً من «البيت اليهودي» بتلئيل سموطريتش آماله السياسية جراء انتخاب ترامب، وأعلن أنه سيبذل جهده لعقد اجتماع عاجل للوبي «أرض إسرائيل».
وجاء في رسالة الدعوة أنه «انتهى اليوم عهد الدولتين. انتصار الحزب الجمهوري الذي أزال عشية الانتخابات من برنامجه حل الدولتين يسمح أيضا لإسرائيل أن تلقي إلى مزبلة التاريخ هذه الفكرة الخطيرة. اليوم انتهى عهد تجميد الاستيطان الطويل الذي فرضه أوباما على إسرائيل. سنجتمع لتفكير مشترك حول كيفية العمل والاحتمالات الجديدة التي فتحت أمامنا».
في كل حال كانت بهجة أنصار إعادة بناء الهيكل كبيرة في إسرائيل وقد أعلن رئيس لوبي «أنصار الهيكل» الحاخام يهودا غليك أنه يدعو الرئيس ترامب لزيارة «جبل البيت» (الحرم القدسي).
تجدر الإشارة إلى أن اليمين الإسرائيلي يراهن على ترامب في الأساس لنقطتين: الأولى معارضته للاتفاق النووي مع إيران والثاني دعوته لنقل السفارة الأميركية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وعدا ذلك كان ترامب قد أعلن تأييده لمواصلة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وأعلن أن الضفة جزء لا يتجزأ من إسرائيل.
ولكن إلى جانب كل ذلك لا شيء يهم اليمين الإسرائيلي حاليا أكثر من واقع أن ترامب لن يهتم بالمساعي لتحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين خصوصا وفق مبدأ دولتين لشعبين. ومع ذلك هناك من يعتقد أن ترامب يعيد في كل يوم صياغة القواعد التي سوف يتعامل على أساسها ما يشكل خطرا ينبغي أخذه بالحسبان.
الخطاب الأصدق لنصرالله ونهاية أسطورة خداع "محور الوهم"..!
04 نوفمبر 2023