انتصار لبنان

حمادة فراعنة
حجم الخط

نجح اللبنانيون يوم 31/10/2016، عبر فريقي الخلاف، إلى التوصل إلى تسوية – صفقة تم من خلالها انتخاب رئيس الجمهورية ميشيل عون، وتكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة، بعد قطيعة بينهما وتجميد وشغور لمنصب رئيس الجمهورية لأكثر من عامين.
نجاح المفاوضات والتوصل إلى تسوية تحفظ مصالح فريقي الخلاف والصراع السياسي، تم بعد أن حاول كل فريق كسر إرادة الطرف الآخر وهزيمته، ولكنهما فشلا لأن يهزم أحدهما الآخر، وتوصلا إلى نفس النتيجة التي سجلتها الحرب الأهلية اللبنانية بعد صراع دام استمر لأكثر من خمسة عشر عاماً، وحصيلتها أن لا غالب ولا مغلوب، لا منتصر ولا مهزوم في تلك الحرب التي دمرت لبنان التعايش والوئام والتعددية.
واليوم يعود أطراف الصراع السياسي الذين استفادوا من تلك الحرب، بعدم تفجيرها مرة أخرى وبقي صراعهم سياسياً، توصلوا إلى تفاهم ومن ثم اتفاق يعكس عدم هزيمة أي طرف وعدم انتصار أي منهما ويعود ذلك لعدة أسباب منها :
أولاً : لم يفلح كل منهما على المستوى المحلي الوطني اللبناني، في توجيه ضربة موجعة للطرف الآخر تدفعه نحو التسليم بالهزيمة والنيل منه، ولذلك بقي توازن القوى قائماً بين الطرفين برلمانياً وحزبياً وشعبياً، وكلاهما وصل لنهاية الشوط بدون انتصار، ما دفعهما بسبب ذلك، للإقدام على خطوة جريئة في التوصل إلى تفاهم واتفاق، يضمن عدم المساس بمصالح كل الأطراف .
ثانياً : لم يكن التفاهم ومن ثم الاتفاق بين فريقي الصراع السياسي اللبناني نابعا من دوافعهما المحلية فحسب، بل هو انعكاس لوصول أطراف الصراع الإقليمي لطريق مسدود بعد حالة الاستنزاف التي تعرضت لها كل الأطراف الإقليمية المتصارعة، العربية السعودية وتركيا من طرف وإيران من طرف آخر، وصراعاتهم المفتوحة والمكشوفة في كل من سورية والعراق واليمن بدرجات متفاوتة، إضافة إلى الأوضاع في ليبيا ومصر والبحرين وغيرهم، ووصولهما إلى طريق مسدود بسبب الاستنزاف المتواصل وتآكل قدراتهما في مواجهة بعضهما البعض بدون أن يصلا إلى حالة من الانتصار لأي منهما على الآخر.
ثالثاً: مثلما لم يقع التفاهم والاتفاق اللبناني بين فريقي الخلاف، بمبادرة منهما بدون إشارات وتلميحات وقبول إن لم يكن بدعوة وتوجيهات مباشرة من قبل أطراف القرار الإقليمي، وبنفس القيمة والمقدار إن لم يكن أقوى، لم يدفع أصحاب القرار الإقليمي اللبنانيين في التوصل إلى الاتفاق، بدون الغطاء والرغبة من قبل مصدر القرار الدولي، من الولايات المتحدة وروسيا، اللتين توصلتا إلى تفاهمات جوهرية، بل وإلى اتفاقات نوعية تتوسل إنهاء الصراعات، وتخفيف حدة التوتر، وتنفيس الاحتقانات، ولم يكن صدفة اختيار لبنان باعتباره الحلقة الأضعف في الصراع، والأخف حدة وتناقضاً، واختياره قد يكون بوابة متوفرة لفتح ثغرة في الحوائط المغلقة تساهم في تسهيل معالجة الأوضاع وعناوين الصراع في البلدان المجاورة، وبدلاً من أن يكون لبنان إحدى محطات الصراع السياسي الدولي والإقليمي، تحول إلى إحدى محطات النجاح للأطراف الإقليمية والدولية، في تنفيذ التفاهمات والاتفاقات بين معسكرات الصراع، وهكذا يمكن نقل نجاح الأطراف المحلية اللبنانية، على قاعدة الرغبة الإقليمية، والتوجهات الدولية الأميركية الأوروبية من طرف والروسية الصينية من طرف، كي يكون نجاح لبنان مقدمة حيوية لمعالجة الصراعات في سورية والعراق واليمن وغيرهم .
قدم المغرب نموذجاً للملكيات العربية في تغيير الدستور وتسليم الحكومة لسلطة البرلمان وتشكيلها عبر تكليف الحزب الأقوى عدداً ليكون في صدارة إدارة مؤسسات الدولة اعتماداً على نتائج صناديق الاقتراع، وها هو لبنان يقدم نموذجاً آخر أكثر جدية في انتخاب رئيس الجمهورية من البرلمان، ليؤكد صواب الاختيار ونموذجاً للجمهوريات العربية في أن يكون رؤساؤها من المنتخبين، بديلاً من تقاليد الرئيس الواحد مدى الحياة، ومن اللون الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة الواحدة .
لبنان نموذج يُحتذى للتعددية على مختلف أنواعها وأديانها ومذاهبها، وهكذا يتم تجديد هذه الصيغة الأرقى في بلادنا العربية، وإن كان قانون الانتخاب المقبل سيدفع لأن يكون لبنان أكثر اتساعاً وشراكة، لأن القانون المفترض هو جزء من التسوية ومن التفاهم ومن الاتفاق .
انتصار لبنان، انتصار لشعبه وانتصار للعرب على قاعدة التعددية والديمقراطية والشراكة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، وهذا ما يتطلع إليه العرب ومن يشاركهم المواطنة من الأكراد والأمازيغ والشركس والشيشان والأفارقة والأرمن، مثلما يقدم نموذجاً لكل من السنة والشيعة والمسيحيين في كيفية التعايش واقتسام السلطة والكرامة ولقمة العيش .