اثنا عشر عاماً مر على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ذاك الرجل الذي بقي رمزاً وطنياً ينهل منه شعبه دروب الثورة والنضال، فـ "عرفات" القائد الذي بقي ثابتاً ووفياً على ثوابت قضية شعبه المثخن بالجراح، والثائر الذي أبدى مرونته في كل شيء إلا الثوابت الفلسطينية ودفع حياته ثمناً للحفاظ عليها.
لطالما ظهر بزيه الزيتي العسكري، وكوفيته الفلسطينية التي لم يتخلى عنها في أي محفل من المحافل الدولية، ليصبح رمزاً للنضال ومدرسة تنهل بالعطاء، ولأن الجبل لا تهزه الرياح فقد بقي الشعب الفلسطيني وفياً لذاك القائد المغوار، رغم مرور الأعوام على رحيله.
"أبو عمار" الرجل الوحدوي والثائر الفلسطيني الحريص على وحدة شعبه، ولأن فلسطين تعشق الرجال ولا تنجب إلا الأبطال فقد حافظ ذاك الرمز على سيرته النضالية رغم مرور الأعوام على رحيله، نظراً لما قدمه من تضحيات جسام لهوية شعبه الذي التف حول خياره ودربه، بعد أن تمكن من لفت الأنظار إلي القضية الأكثر عدلاً، كما استطاع أن يلفظ غبار اليأس عن أبناء الشعب الفلسطيني، وصنع ثورة عريقة لا يرد في قاموسها مفردات الهزيمة.
وأطلق العرفات ثورة ارتبطت بشكل مباشر بانطلاق حركة فتح، تلك الحركة الجامعة للكل الفلسطيني، لتشكل انطلاقتها ثورة لكافة فئات الشعب، وذلك في أعقاب إجهاض الثورات السابقة التي افتقرت للقرار الفلسطيني ودارت معظمها في فلك الأنظمة العربية، لتصبح شرارة العرفات ثورةً معاصرة ومستمرة حتى التحرير والنصر، وذلك نظراً لمقدرته على أن يُميز هذه الثورة بأن جاءت بعد عملية "عيلبون"، التي اعتبرت أول مواجهة عسكرية بين قوات العاصفة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وقالت بشكل علني إنها ردٌ طبيعي على غطرسة الاحتلال وجرائمه المتواصلة.
لقد رحل ياسر عرفات منذ أكثر من عقد ولا زال الشعب الفلسطيني يستذكر كلماته ومواقفه ونضالاته التي أسهبت القضية والثورة بالدروس والعبر، وتمر الأعوام وقد عقمت نساء فلسطين أن تلد "عرفات" آخر يُعيد للقضية هويتها، فما من رجل استطاع أن يكون بديلاً عنه في قيادة الثورة الفلسطينية، وها هي القضية تمر بأشد الأوقات حلكةً وظلاماً، ويعيش أبناء العمار ظروفاً لم يشهدوها من قبل، كيف لا وقد خيم اليأس والإحباط على فئة الشباب في غزة أو "سنغافورة" فلسطين كما أرادها أبو عمار.
ولا يستطيع أي فلسطيني أن يُنكر مدى التغير الطارئ على حياة سكان قطاع غزة بعد رحيل "أبو عمار"، كيف لا وبرحيله توالت الحروب وأصبحت الحياة مظلمة قاتمة يسودها الفرقة والنزاع وتشرذم الموقف وغياب السياسة الموحدة، وكلٌ يغني على ليلاه دون أدنى اكتراث للواقع المرير الذي يحياه الشعب الفلسطيني.
أعوام مضت على رحيل الـ "عرفات" ولا زال حال سكان القطاع تحديداً يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فانتشرت البطالة في صفوف الشباب وباتت الهجرة أملاً يصعب الحصول عليه وهدفاً يسير عليه مئات الألوف من الشباب، لغزة حكومة تُسيرها، والضفة حكومة أخرى، وحال الشعب ينادي بأن انظروا إلى الأوضاع المأساوية التي نحياها جراء الحصار وضيق الوضع الاقتصادي، عدا عن الضفة التي تشهد المداهمات اليومية وحملات الاعتقال، إضافة إلى تهويد المدينة المقدسة، دون النظر من قبل الكل دون استثناء إلى ضياع الأهداف والثوابت واللهث خلف تعزيز نفوذ الفصيل على حساب القضية التي أسسها "أبو عمار" ورفاق دربه بدمائهم.
فحرص أبو عمار كل الحرص على أن يقود القضية إلى جانب توفير حياة كريمة لشعبه مدافعاً عن حقه في الحياة، واستمر في قيادة الثورة وبناء الدولة في آن واحد غير مكترثاً للخطورة التي أحدقت بحياته، مع تيقنه أنه سيدفع حياته ثمناً لذلك، وها هي اليوم تمر علينا الذكرى الثانية عشر لرحيله ودمائه تُنادي بالتوحد خلف قرار فلسطيني يُعيد للقضية هويتها.
مرت الأعوام على رحيله ولا زالت روحه تلعن الكراسي والمناصب الزائفة، وتطالب المتنازعين بالتوحد على كلمة سواء من أجل إعادة البوصلة للقضية الفلسطينية وتصويبها نحو القدس.
إن الشعب الفلسطيني الذي بقي وفياً لقائده يؤكد على أن نهجه هو الخيار الأصوب لإعادة الاعتبار للقضية، وإنهاء الخلافات المقيتة والمضي على خطى الشهيد ياسر عرفات وكافة شهداء وقادة الثورة.
فتلك المسيرة المضيئة لهذا الزعيم الملهم تنادي بأن تجاوزا الخلافات، واحفظوا لهذا الشعب كرامته بالتوحد والمضي على خطاه وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، فشعبنا الفلسطيني الأبي لن ينحني إلا لله وهذا الالتفاف الشعبي على نهج "أبو عمار" يؤكد على أن ذاك النهج هو الأصوب لقيادة القضية والدفاع عن الأرض والمقدسات.
مدير التحرير