لا تفرحوا كثيراً بفوز ترامب

160224065309_trump_640x360_reuters_nocredit
حجم الخط

كالمعتاد عندنا اليمين يحتفل واليسار يحد. وسائل الاعلام مرة اخرى منقطعة، مغلقة الحس، ومذنبة. والعالم كعادته يسير. يخيل لي أن هذا يحصل هذه المرة بشكل مبكر. فليس لليمين بعد اسباب حقيقية للاحتفال. كل ما يوجد هو مؤشرات. وهذا يمكن أن ينتهي مثل مؤشرات النفط التي عثر عليها في بلادنا في الستينيات والسبعينيات. صحيح ان الرفاق رودي جوليان، نيوت غينغرتش، جون بولتون، مايك بنس وسارة فيلين يمكنهم ببساطة أن يحلوا محل نفتالي بينيت، اوري ارئيل، آييت شكيد، بتسليئيل سموتريتش وبوغي يوغاف في قيادة «البيت اليهودي»، ولكن في أميركا لا يقرر الا شخص واحد. الرئيس. ما يحصل بين أذنيه في هذه اللحظة هو لغز تام، وما سيحصل هناك لاحقا، كما أسلفنا. يخيل لي انه حتى بنيامين نتنياهو نفسه بعيد عن حالة النشوى. فهو يعرف انه لا يمكن معرفة أي ترامب سنحصل عليه في كانون الثاني، وحتى لو حصلنا على ذاك الذي أردناه، فهو يمكنه أن يتبدل في شباط، وان ينقلب علينا في أي لحظة. السبب بسيط: ليس لترامب أيديولوجيا. فهو لا يدعم اسرائيل لاسباب دينية، وهو لم يترب او يترعرع في حضن الدعم لاسرائيل، وموقفه الحقيقي من اليهود بارد في افضل الاحوال، ويقترب من اللاسامية في الحالة الاقل جودة. وبالمناسبة، يجدر بكل الفرحين والمبتهجين من اليمين ان يتابعوا الاستيقاظ المقلق للاسامية الذي جلبه معه ترامب.
لا يعنى الرئيس الأميركي المنتخب الا بالمصالح. من يتابعه يعرف ان هذه ليست المصالح القومية الأميركية، بل مصالحه هو نفسه. فترامب هو النرجسي الكامل، يحب نفسه حتى الثمالة، وكل ما يتعارض مع هذا الحب، سيبعد. هو رجل اعمال أفلس مرات أكثر من خسائر شمعون بيريس، هيلاري كلينتون، وبوجي هرتسوغ معا، وأثرى بعد كل هذا الافلاس. يحتمل أن يحتفل اليمين معه، فيضم «المناطق»، يهدم الاقصى، ويقيم «الهيكل الثالث». ولكن  بالقدر ذاته يحتمل ألا يكون.
واضافة الى ذلك: لدى هيلاري كلينتون عرف نتنياهو الى هذا الحد او ذاك، ما ينتظره، سلبيا وايجابيا. فمحبة اسرائيل لدى الكلينتونيين هي ميزة غريزية، بنيوية، تتدفق في الدم. صحيح ان سياسة نتنياهو لا تستطيب لهما، والرجل نفسه يستطيب لهما اقل. فهما يعارضان المستوطنات، فما العمل؟ قريبا سيخرج هذا عن القانون في اسرائيل ولكن هذا في أميركا ما يزال شرعيا. من جهة اخرى، فان الكلينتونيين محبان جدا للفكرة الصهيونية وهما محوطان بيهود صهاينة وملتزمان بـ»ايباك»، بالمؤسسة، بالتقاليد، بالتاريخ، بالمصالح المشتركة. من ناحية هيلاري، فان الامتناع عن استخدام الفيتو ضد قرار مناهض لاسرائيل في مجلس الامن هو قرار ضخم لمرة واحدة في الجيل، روبيكون لم يتم اجتيازه ابدا ومن المشكوك فيه ان يتم اجتيازه. هي قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار ولكن هذا سيكلفها صحتها وسيشكل هزة ذات مغزى.
أما من ناحية ترامب فهذا قرار ككل القرارات، وهو قادر على اتخاذه في ربع ثانية من تشتت الانتباه، الغضب، او الفتيل القصير. ويهمه اقل بكثير كيف سيرد «ايباك» على مثل هذا القرار. فقد انتصر بدون «ايباك»، هذه المرة، وهو لا يعول على المال اليهودي في المرة التالية ايضا. شيلدون أدلسون هرع الى نجدته فقط في الشوط الاخير من السباق، الذي استمر اكثر من سنة. وترامب لا يرى نفسه مدينا لادلسون. واذا كان سيعين نيوت غينغرتش في منصب وزير الخارجية، فهذا سيكون تطورا ذا مغزى. غينغرتش ملتزم بادلسون بقدر لا يقل عن نتنياهو نفسه، وعليه فان الوضع الذي سينشأ هو ان وزير الخارجية الأميركي يأكل من الصحن ذاته مع رئيس وزراء اسرائيل. وهذا ايضا، اذا ما وعندما يحصل، لا يضمن لنا شيئا.
بالنسبة لترامب واليهود: منذ وقت غير بعيد، في احد المهرجانات الانتخابية، حاول أن يثبت تعاطفه مع اليهود واسرائيل، وروى بان «ابنتي، أفينكا، ستنجب لي حفيدا يهوديا جميلا». إذاً، هذا هو. ليس اكثر. صحيح ان أفينكا متزوجه من جيرالد كوشنير، رجل اعمال يهودي حلال تماما. اما هي نفسها فقد تهودت، حيث اجتازت تهويدا ارثوذكسيا لدى الحاخام يحزقيل لوكشتاين من نيويورك. وهذا حاخام ارثوذكسي بكل معنى الكلمة، نائب رئيس «المحكمة الأميركية»، وهي الهيئة المركزية التي تشرف على اجراءات التهويد الارثوذكسي في الولايات المتحدة. وهو أحد قادة الارثوذكسية في الولايات المتحدة وفي حوزته رسالة من مدير دائرة التهويد في الحاخامية الرئيسة تقول ان التهويدات التي ينفذها في الولايات المتحدة سائغة ومقبولة في اسرائيل.
كل هذا لم يكفِ المحكمة الحاخامية في اسرائيل التي قررت قبل بضعة اشهر بان تهويدات الحاخام لوكشتاين عير معترف بها في البلاد. والان فليتطوع احد ما ليشرح هذا لترامب.
ذاكرة اليمين الاسرائيلي تقصر كلما ارتفعت حالة النشوى لديه. فيجدر بنا أن نتذكر كيف بدأت شبكة علاقاتنا مع صديق اسرائيل الاكبر الرئيس جورج بوش. فقد خشي ارئيل شارون من أن يكون بوش يعتزم «القاء اسرائيل تحت دواليب الباصات» بعد العملية في البرجين التوأمين والقى في حينه «خطاب تشيكوسلوفاكيا». وقد تصرف الأميركيون معنا كطفل عاق يورط العائلة ويجب ارساله الى مدرسة داخلية مغلقة. اما قصة الغرام فقد ثارت بعد ذلك بسبب سلوك عرفات، الارهاب الاسلامي، والظروف. وأي ظروف ستكون هنا ابتداء من كانون الثاني، لا يمكن ان نعرف.
تذكير صغير آخر: الرئيس الأميركي الاول الذي اعرب عن تأييد صريح لاقامة دولة فلسطينية هو الصديق الحقيقي ذاته، جورج بوش. وهو الذي جاء ايضا بخريطة الطريق التي يفترض ان ترسم الطريق الى هذه الدولة، حيث يجدر بنا أن نهدأ. سيستغرقنا وقت طويل آخر الى أن نعرف من هو دونالد ترامب الحقيقي وعندها ايضا، لن يكون هذا نهائيا.