كتب : أحمد سمير القدرة
كفوا أيديكم عن الشعب لم تكن ثمان سنوات كفيلة بإنهاء الانقسام واتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية, كما لم يكن توقيع اتفاق "الشاطئ" في شهر إبريل 2014 المكمل لاتفاق القاهرة 2011, وتشكيل حكومة الوفاق الوطني في شهر يونيو 2014 كفيل بأن يجُب ما قبله من سنوات عجاف مرت بها القضية الفلسطينية وعانى منها الشعب الفلسطيني الكثير ويُؤسس لمرحلة وحدة وطنية فلسطينية, فما زالت الفجوة كبيرة وتتسع, وتزداد معها معاناة وآلام الشعب الفلسطيني, فمنذ أن حدث الانقسام سقطت كل القيم والمبادئ والأسس والخطوط الحمراء التي نادى ودافع وضحى من أجلها الكثير من قادة الشعب الفلسطيني. منذ أن شُكلت حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني, بدء الأمل والتفاؤل يعود لدى الشارع الفلسطيني بأن سنوات الانقسام ذاهبة دون رجعة وأن مرحلة جديد ستبدأ أساسها وعنوانها الوحدة الوطنية الفلسطينية, وأن كافة التداعيات والآثار والمشاكل التي أفرزها الانقسام ستزول.
وما هي إلا أيام معدودة, حتى ظهرت التحديات التي كانت في انتظار حكومة الوفاق الوطني, فكان التحدي الأول وأكثرهم حضوراً متمثل في قضية وملف موظفي حكومة غزة السابقة الذين تم تعيينهم بعد يونيو 2007, واستعصت كل الحلول والمقترحات والمبادرات التي طرحت والتي في مجملها نابعة ومستوحاه من اتفاق القاهرة 2011 واتفاق "الشاطئ" 2014, في حل وإنهاء هذه القضية والتي على أثرها تعثرت المصالحة الفلسطينية. أما التحدي الثاني فكان عدم قُدرة الحكومة على مباشرة مهامها وفرض سيادتها وإدارتها على قطاع غزة, فقد رُبط هذا الأمر بالتحدي الأول وهو قضية الموظفين, فلم تتمكن الحكومة من إنجاز أي ملف من ملفات اتفاق المصالحة.
أما التحدي الثالث فكان عنوانه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014, والذي خلّف دمار هائل في البشر والحجر. والتحدي الرابع فهو استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة واستمرار إغلاق معبر رفح. والتحدي الخامس هو المشاكل والأزمات التي تعصف بقطاع غزة كمشكلة الكهرباء والبطالة وارتفاع الأسعار في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدى شريح كبيرة من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وأمام هذه التحديات عجزت حكومة الوفاق الوطني من إنجاز أي ملف من ملفات اتفاق المصالحة, في ظل التباعد المستمر لكافة وجهات النظر ورفض الحلول والمقترحات والمبادرات التي تُطرح من هذا الفصيل وذاك الفصيل لتضييق الفجوة بين طرفي الانقسام من جهة وبين حماس والحكومة من جهة أخرى.
ومع استمرار تعثر المصالحة وتجذر الانقسام, تزداد معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بكافة الأشكال يوماً بعد آخر, وتزداد الأعباء الملقاة على كاهل المواطن الغزي, فمشاكل قطاع غزة كثيرة لا تُحصى أهمها استمرار الحصار واغلاق معبر رفح, ارتفاع نسبة البطالة والفقر والجريمة وتفشي ظاهرة تعاطي العقاقير المخدرة (الترامادول), استمرار أزمة الكهرباء, عدم البدء في إعمار القطاع, انعدام فرص العمل, ارتفاع الاسعار, تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. في الآونة الأخيرة أطلت على الشعب الفلسطيني وتحديداً في قطاع غزة معاناة جديدة, "ضريبة التكافل الاجتماعي" والتي فُرضت من قبل نواب حركة حماس في المجلس التشريعي في قطاع غزة, بحيث يتم فرض الضرائب على كل الأصناف والسلع والمنتجات الثانوية كاللحوم والملابس والفواكه والأجهزة الكهربائية فيما تم استثناء الدقيق والدواء.
وقد تم تحديد الفئات المستهدفة والمستفيدة من هذه الضريبة وهم: موظفي غزة, الفقراء, العمال, والوزارات الخدماتية. هذه الضريبة المتضرر الأول والأخير منها هو المواطن, فالتاجر الذي سيُفرض على بضاعته ضريبة سيرفع ثمن السلعة وبالتالي سيكون المستهلك هو المتضرر, لتزداد معاناة الشعب بدلاً من تخفيفها. وأمام هذا الواقع المأزوم الذي يعاني منه قطاع غزة, في ظل انسداد الأفق السياسي ورفض لكافة المقترحات والحلول الساعية لتقريب وجهات النظر لإنجاز ملفات المصالحة, والتوصل لاتفاق حقيقي ينهي سنوات الانقسام, تستمر حالة عدم المسؤولية وعدم الاهتمام وإدارة الظهر من قبل المسؤول للشعب ومعاناته, واضعاً نصب عينيه مصلحته الخاصة أولاً وأخيراً وإعلاء المصلحة الحزبية عن المصلحة الوطنية. إن المتابع لكافة التصريحات والبيانات والمؤتمرات والندوات والاجتماعات من قبل كافة الفصائل الفلسطينية والشخصيات المستقلة ومراكز الدراسات وحقوق الإنسان, يلحظ أن الجميع متفق في لغة الخطاب السياسي والإعلامي والتي تنادي بضرورة إنهاء الانقسام واتمام المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية, ورص الصف الفلسطيني وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني لمواجهة الاحتلال ومخططاته, وكلها تستذكر النتائج التي أسفر عنها الانقسام وخطورة استمراره, وفي حقيقة الأمر جميعها لم يحرك ساكناً في بحر الانقسام والمصالحة.
وفي محاولة من قبل الحكومة المضي خطوة للأمام في طريق المصالحة, فقد قرر مجلس الوزراء برئاسة الدكتور رامي الحمد الله بتاريخ 7 إبريل 2015 بأن يباشر الوزراء عملهم أسبوعاً في الضفة الغربية وآخر في قطاع غزة, بهدف توحيد المؤسسات, والعمل على تخفيف معاناة الشعب, ومعالجة كافة الملفات العالقة ومعالجة آثار الانقسام, والتسريع بعملية إعادة الإعمار واستلام المعابر والتحضير لإجراء الانتخابات. ووفق ما هو مقرر قدم الوزراء لمقر مجلس الوزراء في قطاع غزة يوم الأحد 19 إبريل 2015, لمباشرة مهامهم ومتابعة شؤون وزاراتهم وموظفيهم وتفعيل قرار الحكومة بتشكيل لجنة فرعية لتسجيل أسماء كافة الموظفين قبل الانقسام, وهي لجنة منبثقة عن اللجنة الادارية والقانونية التي تم الاتفاق عليها في اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة لحل مشكلة موظفي قطاع غزة ما بعد الانقسام, ليتم بعدها البدء في معالجة ملف موظفي غزة ما بعد 14 يوليو2007, وهنا استبشر المواطن خيراً, إلا أن الأجواء السلبية والتوتر الذي رافق قدوم الوفد الوزاري والاجتماع الذي عُقد ما بين الحكومة وحركة حماس, في ظل استمرار العقبات والخلافات وتباعد وجهات النظر حول حل الملفات العالقة منذ توقيع اتفاق المصالحة وأهمها ملف الموظفين, أثرت على مباشرة الوزراء مهامهم وبالتالي لم تقم اللجنة الفرعية بتسجيل الموظفين كما كان مقرراً, ولم يتم التوصل للتفاهم وحل لأي من الملفات, فتم اتخاذ قرار بمغادرة الوفد الوزاري والعودة للضفة الغربية, في تأكيد ودلالة على الفشل الذي منيت به هذه الزيارة.
ومع استمرار حالة التخبط والتعثر والخلافات واستمرار الانقسام وعدم التقدم الحقيقي في ملف المصالحة واستمرار المشاكل وتفاقمها, وعدم تدارك المسؤولين لخطورة وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وفشل مهمة الوفد الوزاري, تزداد حالة الاحباط والمعاناة وعدم الثقة والرضا لدى المواطن الفلسطيني في غزة, مع بقاء الحال على ما هو عليه دون أي تقدم يذكر ويبقى المتضرر والخاسر الأول والأخير والأكبر من كل ما يجري في الساحة الفلسطينية هو المواطن.