سنتعرض من خلال مجموعة من تسعة من الحلقات لمفاهيم في العقل الحر والمنهج التنظيمي في التنظيم السياسي عامة، في ضوء المؤتمر الحركي السابع لحركة فتح، ولا أجدى من التعرض بالبداية للعقل الحر والانتهازيين.
ما المشكلة الحقيقية التي تعصف بالتنظيمات السياسية الفلسطينية داخليا وبتنظيم حركة فتح؟ وما هي العوامل التي تفاقم أو تهدئ من المشكلات في بطن التنظيم؟ وهل كل المشكلات بالتنظيم السياسي وتحديدا الحركة ذات طبيعة خارجية ؟ أم لنا أن ننظر في ذاتنا أولا لنتحقق ونتقصى ونفحص ونشخّص فنصل للأسباب الحقيقية ونسعى معا لخوض الصراع لتجاوزها.
إن المشكلات الداخلية في داخل التنظيم السياسي – وهي ما سنركز عليه هنا –تأتي من اتجاهات ثلاثة إما بنيويةهيكلية ، أو انتهازية ذاتية مصلحية، أو منهجية وادارية، وقد يري الآخرون زوايا أخرى للنظر، لن نبخسهم فيها حقهم بأن يتعاونوا معنا ويفيدونا.
في كثير من التنظيمات السياسية كانت المشكلة الفكرية-الثقافية المرتبطة بفكر التنظيم أو أهدافه تقف كالطود الشامخ بين التيارات، يحاولون تجاوزه-الطود المشكلة- أو الالتفاف عليه أو تسلقه، أو يقومون بالاحتراب كتيارات.
ولكنه في جميع الأحوال فإن قلب التنظيم إن تنوع أو توزع بين المحاور الداخلية فإنه يظل رافضا للخطوط الخارجة عن التيار العام.
في الوقت الحالي تعاني كثير من التنظيمات في اليسار واليمين ومنها حركة فتح ضعفا في الأداء الفكري/التعبوي، ما يعني أن التيارات الفكرية المتصارعة حول الفكرة المتجددة والاستراتيجية والبرنامج غير موجودة بوضوح،أولم تتفجر فيها المشكلة حتى الآن.
العقل الانتهازي
إن الانتهازية كمشكلة أصيلة في التنظيم السياسي تغلّب الأهداف الذاتية-الأنوية (من الأنا العظمى في ذات الشخص) على الأهداف العامة ، وتغلّب المصالح الاقتصادية أو السلطوية المرتبطة بالشخص أوبالشخص وجماعته أو عشيرته على الهدف الوطني.
وفي أحسن الاحوال فإن الانتهازي يستطيع أن يُقنع ذاته أن الهدف العام (الوطني) مرتبط به شخصيا وبمصالحه الخاصة، حيث لا يرى التعارض الكبير إلا ان افترقتا ، ولا يستطيع أو لا يريد أن يفهم أن الوعي الوطني يقتضي منه التضحية ويطلب منه التنازل، ويقتضي منه التخلي، ويطلب منه النظر أبعد من أرنبة أنفه، أو أبعد من مساحة مكتبه ومستشاريه المرتمين على قدميه، بل وأن ينظرأبعد من أرجل كرسي السلطة الوثير، فالمسرح يمتلئ بالممثلين، وليس هو اللاعب الوحيد أو النجم الذي لا يمكن أن يعوّض، لذا هو يرى بوجوده حصريا قصبة النجاة للآخرين وللتنظيم وللوطن، وما هو كذلك.
إن قصر النظر، أو غض النظر عن خطايا الشخص،أو تبريره الدائم لأفعالة (وهو ذات ما تفعله جماعته الانتهازية) وعدم قدرته على محاسبة الذات والمراجعة، وعدم رغبته بالتغيير والإصلاح، أو عدم قدرته على التسامح والاستيعاب ينبع من خوفه الشديد من فقدان المكانة-مكانته وهيمنته، وينبع من فقدانه الدور الذي لا يراه مرتبطا إلا به، وإلا بموقعه وإلا بمصالحهِ التي يَفترض بها الامتزاج بالمصلحة الوطنية.
إن الانتهازي يقدّم الخاص المحدود على العام، ضمن تبرير يراه منطقيا، وما هو إلا تعبير عن خوف ورعب وتوجس من التغيير، ورفض للاعتراف بالأخطاء وإصرار على رذيلة الشخصانية (أو انفجار الأنا العليا) التي قد تصل به لحدود التحكم في مصائر الآخرين وتصل به الى الاستبداد (الدكتاتورية)، وكأن الكون يتمحور حول ذات هذا الشخص، أو كأن الكون لا ينفك يطلب رضاه أو وجوده، فإن غاب غابت الشمس وأن بقي فقط فالحياة مستمرة .
إن إثارة المشاكل وافتعالها من الشخصيات الانتهازية تحرق الكفاءات عمدا، بل و تبرر ذلك بكل جرأة تصل لحد الوقاحة، فهي لا تعترف بالفكرة المجاورة لها أو المخالفة لها أو حتى تلك المُصاغة بشكل مختلف، ولكنها في ذات السياق، كما لا تعترف باتساع المساحة ورحابتها، وعمق الاقتراب فتلجأ لكل الأساليب القانونية أو غير القانونية، أو بتطويعها بتعسف يتم فيها ضرب الصغير ليعتبر الكبير، فيسير مع القطيع بلا رأي ولا عقل ولا روح، ويردد (الحائط الحائط/الحيط الحيط..) أو أنا ومن بعدي الطوفان.