كثير من المراقبين يرى أن ما أعلنه المرشح الجمهوري ترامب من مواقف وسياسيات أثناء حملته الانتخابية، لن تكون ذاتها مع الرئيس دونالد ترامب، لإن معايير الحكم تختلف عن إلقاء المواقف ضد المنافسين او لإستقطاب المصوتين. أضف لذلك أن النظام الرئاسي الأميركي لا يخضع لمزاجية ومواقف الفرد الحاكم، لإنه محكوم بمنظومة سياسية، أمنية وإقتصادية مالية، هي التي تلعب الدور الحاسم في رسم السياسيات والتقرير بها، دون الإنتقاص من دور الفرد المسؤول، الذي عليه دور تسويغ وإخراج هذا القرار او ذاك، مع إعطائه حيز من الإستقلالية النسبية في التقرير بالمسائل الداخلية او الخارجية، التي لا تؤثر سلبا على خصائص وسمات النظام الرأسمالي.
ورغم أهمية هذا المبدأ كناظم لسياسات الرؤساء الأميركيين، غير ان الرئيس ال45 للولايات المتحدة إختلف نسبيا عن غيره من الرؤساء، الذين سبقوه، لانه اولا لم يعتمد كليا على الغطاء الحزبي، لا بل أن عدد مهم من الشخصيات الرئيسية في مؤسسات الحزب الجمهوري، اعلنوا صراحة عدم تصويتهم له؛ ثانيا سيلتزم بمركبات السياسة الرسمية، غير انه سيكون الأكثر تمردا او لنقل خروجا عن محدداتها، لانه سريع الغضب وردود فعله غير محسوبة. بالتأكيد الجلوس في موقع الرئاسة غير الجلوس على رأس شركتة خاصة.
ما تقدم الهدف منه، إبراز الفرق بين مبادىء المؤسسة خصال الرئيس ال45، التي لا يمكن لإي مراقب المعرفة المسبقة بما ستكون عليه ردود فعله على هذه المسألة او تلك. أضف الى انه متقلب، كما يقول بعض عارفوه. ولهذا صلة بردود الفعل الإسرائيلية على فوزه، حيث هلل وكبر أنصار اليمين المتطرف لغياب شمس الادارة الديمقراطية، وإعتبروا فوز ترامب، بانها الفرصة الذهبية لإطلاق غول الإستيطان الإستعماري في القدس والضفة الفلسطينية، وفي ذات الوقت، سقوط وزوال مشروع الدولة الفلسطينية. وهذا ما عكسه مباشرة، نفتالي بينت، وزير المعارف بالقول:" إن إنتخاب دونالد ترامب فرصة حقيقية للتنصل من فكرة إقامة دولة فلسطينية". وقال الوزير إسرائيل كاتس "إن إسرائيل تنتظر من الرئيس الجديد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس." وإعتبر العديد من أعضاء الكنيست من معسكر اليمين المتطرف أمثال: يهودا غليك، وموتي يوحف وميكي زوهر، أن إنتخاب ترامب "يصب في مصلحة إسرائيل السياسية، والتخلص من إدارة الرئيس اوباما، التي وصفوها ضد الإستيطان في الضفة والقدس الشرقية." وكان عضو الكنيست سموطريتش، قال" إنه حان الوقت كي نلقي بحل الدولتين الخطير في مزبلة التاريخ. داعيا نتنياهو والحكومة الإسرائيلية إلى الإعلان اليوم وليس غدا عن بناء الآف الوحدات الإستيطانية في مستوطنات الضفة، وبنفس الوقت بناء مستوطنات جديدة ومدن جديدة في الضفةللمستوطنين. "(المواقع العبرية كلها المرئية والمسموعة والمقروءة) ولم تتخلف بلدية القدس عن التهليل للرئيس الجديدة، وفتحت شهيتها لبناء الآف الوحدات الإستعمارية في العاصمة الفلسطينية، فيقول مئير ترجمان، رئيس لجنة التخطيط والبناء في البلدية للقناة الثانية يوم الخميس الموافق 10/11/2016 "هناك مخططات لبناء 2600 وحدة إسكان في غبعات همطوش و3000 في جيلو و1500 في رمات شلوم، وغيرها الكثير من المخططات، التي أنوي إستغلال إستبدال السلطة في الولايات المتحدة لطرحها والمصداقة عليها."
وتساوق مع ما تقدم مستشار ترامب الرفيع، جيسون غريبلات، الذي صرح لصحيفة "هآرتس" وإذاعة الجيش الجمعة 11/11/2016، مؤكدا "أن المستوطنات ليست عقبة أمام السلام". وانه (ترامب) "لن يفرض حلاً على إسرائيل." وكأن لسان حاله يدعو الإسرائيليين من أقطاب الإئتلاف الحاكم وغيرهم إلى الشروع دون تحفظ او اللجوء لوسائل واساليب إلتفافية للبناء في المستعمرات الموجودة او بناء مستعمرات جديدة. مع ذلك هناك إتجاه في إسرائيل ليس متفائلاً ولا مراهنا على سياسات الرئيس ترامب، ويضع يديه على قلبه، خاشيا من إنقلاب الرجل على إسرائيل. لكن ذلك لا يلغي الإتجاه العام لترامب ونائبه بينس، الذي يميل بشكل واضح نحو الدعم غير المسبوق لإسرائيل. وهو ما قد يحمل في طياته إرتدادات غير مسبوقة في الساحة الفلسطينية. لان شخصية الرئيس الجديد على ما يبدو لا تركب على نواظم ومبادىء محددة، وكل شيء قابل لديه للتغير باستثناء الدعم لإسرائيل المارقة والخارجة على القانون. وهو ما يفرض على صانع القرار الفلسطيني وضع سيناريوهات مختلفة لمواجهة التطورات الدراماتيكية الناشئة عن إنتخاب الرئيس ترامب، فما هو موجود الآن من سياسات، لن يكون ذاته بعد تربعه على عرش البيت الأبيض. ويخطىء من يعتقد ذلك. الامر الذي يفرض فتح حوار مباشر معه الآن والآن مباشرة قبل وصوله لكرسي الرئاسة الفعلي في ال20 من كانون الثاني 2017.وإنتزاع ما يمكن من قرارات أممية الآن.