تابعنا الحملة الانتخابية، للمرشح الجمهوري ترامب، بشيء من الإثارة، لما تضمنته تصريحاته، وكانت مثيرة للجدل، ليس فيما يتعلق بما حملته من مواقف فقط، بل لأدائه وحركاته، وبعده التمثيلي.
كنت واحداً ممن اعتقدوا بأن لا حظوظ له في النجاح، وبأن مرشحة الحزب الديمقراطي كلينتون، لما تتمتع به من خبرة سياسية، وأداء سياسي، ستكون هي المرشح، الأوفر حظاً للفوز.
تفاجأت، كما تفاجأت أوساط كثيرة، بفوزه، غير المنتظر، وما حمل فوزه من تظاهرات عارمة، في الولايات المتحدة الأميركية، وفي مدن أوروبية عديدة، مستنكرة وشاجبة.
لكن مفاجأتي هذه، لم تحمل في طياتها لا أملاً في مستقبل أفضل، ولا أياما سوداء قادمة، فيما يتعلق بقضيتنا الوطنية.
منذ نعومة أظافرنا، كنا نتابع الانتخابات الأميركية، كنا نتمنى فوزاً لأحد المرشحين، اعتماداً على مواقفه وبرنامجه الانتخابي، أملاً بمستقبل أفضل لنا، نحن الفلسطينيين، وكنا دوماً، نمنى بالإحباط.
السياسة الأميركية، تقودها مؤسسات، والكثير من التصريحات ما قبل الانتخابات، تصبح جزءاً من الماضي.
تابعنا باهتمام، الحملة الانتخابية لباراك اوباما، وتفاءلنا خيراً، وفاز اوباما، وفرحنا لفوزه، تسلم اوباما زمام الرئاسة، وكنا على أمل، هذا الأمل، عزّزه اوباما عبر خطاب ألقاه من على منبر جامعة القاهرة.
تحدث في هذا الخطاب عن الاستيطان، كعقبة في وجه السلام، وعن الجدار الفاصل العنصري، كحيّة تتلوّى وغير ذلك من أقاويل. مرّت الأيام، ولم نرَ موقفاً أميركياً واحداً، يصب في قنواتنا، بل على العكس من ذلك، برز الفيتو الأميركي، كجدار فاصل ما بيننا وبين نيل حقوقنا الوطنية.
حتى نهاية فترة حكمه، لا يزال اوباما، يقف هو وحكمه، كجدار، يحول دون نيل حقوقنا الوطنية.
الإدارة الأميركية، كمؤسسات حكم، هي من تدير شؤون البلاد، والعنوان هو الرئيس، وعد الرئيس ترامب، مثلاً، بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، هل هو قادر على ذلك، بالجزم لا، وسيتم طي هذا الوعد قريباً، الكثير من تصريحاته سيتم طيها، ومؤسسات الحكم الأميركي، هي التي ستقرر في نهاية الأمر، وفقاً لموازين قوى، ومعطيات سياسية سترد.
ما استخلصته من حياتي السياسية السابقة هو، ألاّ نراهن على الانتخابات الأميركية، صحيح بأنها تعنينا، لكنها هي سياسة، متحالفة استراتيجياً مع إسرائيل، ولا يمكن التعويل عليها، أو التحالف معها، أو المراهنة على تصريح من هنا، أو هناك.
الاعتماد على الموقف الأميركي فلسطينيا، هو ارتكاز على أوهام وسراب، وبالتالي علينا التفكير جديا بالتخلي عن دور الراعي الأميركي أو الراعي المتفرد في المفاوضات فيما بيننا وبين الإسرائيليين.
جاء ترامب أم لم يأتِ سيان. الإدارات الأميركية ستدير الأمور، خاصة فيما يتعلق بمسار المفاوضات الإسرائيلية، وفقاً لقواعد التحالف الإسرائيلي الأميركي، وهو تحالف استراتيجي.
علينا ألاّ نراهن، إلاّ على قوتنا الذاتية، ودورنا الوطني، ومقتضيات هذا الدور، والحفاظ جدياً على عمقنا العربي، ومقتضيات هذا العمق من حيث الرابط الجدلي، والعمق الجغرافي والتاريخي على حد سواء.
سيدير ترامب، أميركا، عبر مؤسسات الحكم، ووفق معطيات ملفات متراكمة، داخلياً وخارجياً، وعلينا ألاّ نستغرب مستقبلاً مواقف وسياسات أميركية، تتعارض وتصريحات ترامب، في مرحلة الدعاية الانتخابية.
الرئيس عباس يستقبل وزير الخارجية الأميركي
10 يناير 2024