إن العقلية الانتهازية عقلية مهيمنة وعقلية استئثارية، وعقلية مصلحة تفعل مفاعليها في ذات الشخص فينتكس، وقد لا يعود ليستقيم حتى لو صام وصلّى وقام... ولصوت الدعاء علاّ أبدا، فالمنتكس قد دخل في طور جديد ابتعد فيه عن الجادة، واقترب فيه من فوهة الجحيم، وهو ينظر إليها إما لاهٍ أو مستمتعٍ أومحملٍ بكل الحطب اللازم لاستمرار اللهيب بإرادته أو دون وعيه.
إن التنظيم السياسي الذي تسود فيه الشخصيات أو العقليات أو المشاكل ذات الطبيعة الانتهازية تنظيم هو كالورقة في مهب الريح، لا تثبت في مكان ولا تصمد على منهج أو فكرة أو استراتيجية، بل يتقافز بين الأفكار والمنهاج كالزئبق تماما حيث تتوه الخواص فيه ما بين الصلابة والسيولة، فتكون الميوعة في الأفكار والمواقف والسياسات الى الدرجة التي تظهر فيها التناقضات والتضارب جليّة، ولكنها وهنا الطامة الكبرى حيث تجد من يبررها ويشير إليها (للشيء ونقيضه) بأكف الراحة وببسمات الفرح.
]العضو[ انتماء أصيل و]مساهمات[ دائمة
أما النوع الثاني من المشاكل في التنظيم السياسي فهي المشاكل البنيوية، أي تلك المتعلقة بالأطر والهياكل، وعندما نتكلم عن الأطر أو الهيكل التنظيمي الرابط بهرم السلطة بين القيادة والقاعدة أفقيا، فإننا لا نتحدث عن أرقام وكتل مصمتة، وإنما نتحدث عن أعضاء/عضوية، عن بشر، عن شخصيات لها عقول وأجساد وأرواح تحتاج للسُقيا والرعاية، وتحتاج لأن تظل دوما متأهبة الروح و نشِطة العقل ومشارِكة بالميدان، وذات قيم أصيلة ومتجذرة، وليست قيما مستعارة تنزع كالملابس في آخر النهار.
إن الفرق واضح بين التعامل مع الأطُر كمواقع تجسّر (تصنع جسرا) للأهداف الذاتية والانتهازية، أوكمواقع تجسّر لبذل الجهد لتحقيق الأهداف الوطنية (وهنا لا يعيب الشخص أبدا أن يظهر ويتألق).
في حوارات بناء أو تعديل (النظام الداخلي/الدستور) تظهر معادن الشخصيات منها تلك التي تريد إنتاج النظام (القانون أو الدستور الحاكم في التنظيم) من منظور أين أكون أنا فيه! أو من منظور كيف نكون معا (ككادر وأعضاء/كمجموع) فيه، والمنظوران مختلفان كليا ومتصادمان.
إن العضوية في التنظيم السياسي بحد ذاتها أي ك"عضوية" هي مكسب وهي جائزة وهي مهمة وهي باب مفتوح للمشاركة الفاعلة، ومن هنا يأتي بذل الجهد طواعية والالتزام أخلاقيا ضمن شعارنا الذي لا يموت (إن التنظيم التزام اخلاقي وعمل تطوعي).
وعليه فالعضوية ]مساهمات[ كثيرة تفترض توقد الإرادة والقدرة، وبذل الجهد على أداء الواجبات، وتوفر الوقت، وأحيانا كثيرة توفر المال من الشخص يصرفه على العمل التنظيمي،ودون ذلك فإن العضوية ساقطة لا قيمة لها، وهي أكثر سقوطا إن لم تمس عيني العضو هيبة النظر في عيون الفقراء، وهيبة السجود لله سبحانه وتعالى بالتزام الاخلاق والقيم.
إن مكسب العضو في التنظيم هو بكونه منتمٍ للحركة التي ما هي إلا بوابة فلسطين، وبوابة النصر، وماذا يريد الشخص من مجد أكثر من أن يكون جزاءا من هكذا حركة؟
وما يضير العضو أو الكادر أن يرى الى جانبه الشخصيات التي لا يطيقها، ولكنه يعمل لإصلاحها أويصارع لتغيير مواقفها ومنهجها؟ أو يتحملها ما اختلفت عنه ولم تنحرف.
وما يضيره أيضا أن يهتم بذاته أولا ويحصّنها، حتى لو فسد الآخرون، فهو المحور وإشعاعه يجب أن يصيب ضمن عقل الجماعة أولئك الانتهازيين أو المخربين أو الانتهازيين.
قال لي الكاتب والأديب العربي المبدع يحيى يخلف رافضا التكالب حول المواقع التنظيمية المتقدمة: يكفيني فخرا أن يشير لي الناس في الشارع قائلين أنظروا هذا المبدع من حركة فتح.