إنه زمن دونالد ترامب... وعلى الجميع أن يستعدوا للأصعب.
إنه زمن الرأسمالية المتوحشة، و «الرئيس الجديد» الذي اقتحم البيت الأبيض بقوة ذهبه مع حفيده اليهودي من إبنته إيفانكا.
من هنا، فإن على الطبقة السياسية أن «تتواضع» قليلاً في مطالبها المتعارضة التي تهدف إلى ابتلاع الدولة أو ما تبقى منها، عبر صراعات تقاسم النفوذ والتركيز على الوزارات الأكثر دسامة و «المجالس» التي تدر الخير... في ظلمة التجهيل.
... وعلى الحكومة العتيدة أن تتواءم مع «العهد الكوني الجديد» الذي هبط على العالم من خارج التوقع، والذي قد تكون له سياسة مختلفة جداً عن حكم الحزب الديموقراطي الذي استقر في البيت الأبيض أكثر من المتوقع.
صحيح أن «عاصفة التغيير» التي هبت، فجأة، في لبنان ومن خارج التوقع، فاجتاحت القصر الجمهوري مزغردة بها الحناجر، مبشرة بعهد جديد لم يسبق له مثيل، ولن يكون ما بعدها مثل ما كان ما قبلها..
ولكن الصحيح، أيضاً، أن الطبقة السياسية قد استأنفت، بعد أن استوى «الجنرال» على كرسي الرئاسة الأولى، ألعابها المعهودة مناقصة ومزايدة.. بعد عاصفة من الشائعات والهمسات المسمومة كادت تحول القصر الجمهوري إلى «بيت العائلة المالكة»... فتم توزير الأصهار! وقرر «بعضهم» أن «البنات» أجدر من أزواجهن بالوزارات، خصوصاً وأنهن «بيت السر»، يكتمن ما يعرفن، وينسين ما يسمعن وما يشاهدن.
... بالمقابل، كشفت التطورات التي شهدتها المعركة الرئاسية عن ظهور فئة جديدة من «المحرومين» في إقطاعية «معراب» المذهبة والمسورة بالخوف، في قلب كسروان، وهم يتشكلون ـ أساساً ـ من «مهجري بشري» الذين لم يهجرهم أحد، والذين اقتحموا المنطقة الجميلة في «قلب لبنان» بذريعة أنهم قد أُبعدوا عن السلطة التي لولاهم ما كانت لتقوم ـ ظلما وعدوانا.. مع علم الجميع ـ بحسب ما يقولون ـ أنه لولا «تحالفهم» مع «الجنرال» ـ ولو انه جاء متأخراً ـ لما كان «الرجل المذهب» قد سعى إليه في «الرابية» ليدعوه إلى قبول «هدية الرئاسة»، وتسنم منصبها الرفيع...
ويبدو أن ضباب التحولات الطارئة، في اللحظة الأخيرة، قد حجب التحالف التاريخي الذي أقيم، قبل أكثر من عشر سنوات، وبقرارٍ واعٍ ومدروسٍ بين «الجنرال» العائد من المنفى «زعيما»، والحزب المجاهد الذي قاتل العدو الإسرائيلي المحتل حتى أخرجه ـ مرغماً ـ من الوطن الصغير الذي استعاد حريته وقراره الوطني الحر في شؤونه... خصوصاً أن هذا «الحزب» لا يزاحم المتنافسين على كراسي الوزارات والإدارات، وعنده من المهمات الجليلة ما يكفيه، ثم ان له «حليف الضرورة» الثابت الذي لا يغير ولا يتغير، لأنه «نبيه»، و «حليف حليفه» الذي يقرأ الطالع ويكشف المخبوء، فيربط مع «الآتي باسم الإرادة الدولية»، من أجل الاستقرار، من دون أن يقطع مع الشريك التاريخي على امتداد «حروب» شغلت ثلث قرن، وشريك الضرورة الذي يحفظ الود وينسى الإساءة...
إنه «زمن ترامب»... وعلى اللبنانيين، والعرب عموما، أن يستعدوا لزمن التقلبات والانقلابات المفاجئة والمواقف النافرة، حسب المزاج.
فالرئيس الأميركي الجديد الذي سيتسنم منصبه الإمبراطوري بعد شهرين اثنين، عنده مشروعه الخاص بعنوان الاهتمام بالداخل الأميركي، والسعي إلى التفاهم مع روسيا بوتين، الذي كان في طليعة مهنئيه، والذي سمع منه الاستعداد لتقاسم مناطق النفوذ، بدلاً من المواجهة ذات الطابع الحربي... وقد ينعكس ذلك على منطقتنا أساساً، بوصفها أرض صراع.
وفي ما يعنينا، فإن على هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمفسدة أن ترفع يدها عن الدولة وتكف عن التعامل معها كبقرة حلوب... وأن تسمح للشعب بانتخابات نيابية جديدة لا تحكمها الطائفية القاتلة ولا المذهبية المدمرة.
إن بداية «العهد» مبشرة... فقد تلاقى الأضداد خارج الخصومة، والطريق إلى التفاهم معبدة بالمصالح المشتركة. وقد انتهى عصر الصراع العقائدي والخلافات الفكرية، وآن أوان «المصالحات التاريخية» من أجل حفظ «الكيان» الذي يحتاج إليه الجميع كحصن أمان، إضافة إلى المنافع والخدمات المتبادلة... فالكل في مركب واحد: إن هم أهملوا غرقوا جميعاً، وإن هم اصطرعوا ابتلعهم بحر الدماء الذي يكاد يجرف دول المنطقة بعد شعوبها.
المطلوب، قليل من التواضع وحسن قراءة التطورات، خصوصاً مع إطلالة بطل التغيير الدراماتيكي من شرفة البيت الأبيض في واشنطن... وهو صاحب المقولات «الخالدة» عن العائلة، بالزوجة الثالثة، وبالصبية الجميلة «التي لو لم تكن إبنتي لتزوجتها»، فضلاً عن الخطاب العنصري المستفز.
هدوءاً، يا أكلة الجبنة! السفير