خرج اليمين الإسرائيلي عن طوره مهللا فرحا بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وجاءت الفرحة بسبب تصريحات ومواقف ترامب التي أعلنها سواء لجهة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس أو لجهة عدم اعتراضه على الاستيطان في الضفة الغربية. وقفز هؤلاء عن طبيعة ترامب الانتهازية والمتقلبة والتي تنطوي على خطر شديد أيضا بالنسبة لإسرائيل.
فترامب، رغم كل تصريحاته، لن يقدم لإسرائيل في مجال المعونة العسكرية والدعم الاستراتيجي أكثر بكثير مما قدم باراك أوباما أو مما كان يمكن لمنافسته، هيلاري كلينتون أن تقدمه. وهناك من يعتقد أن ترامب سوف يختلف عن كل الرؤساء الأميركيين الذين وعدوا بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس ولكنهم امتنعوا فعليا عن ذلك فور توليهم الرئاسة. ولكن حتى لو عمل ترامب على تحقيق وعوده لإسرائيل بنقل السفارة وتأييد الاستيطان وقتل حل الدولتين، فإن الكثير من الإسرائيليين يؤمنون أن في ذلك نهاية لفكرة الدولة اليهودية. فانتهاء حل الدولتين يعني، بالضرورة، العودة لحل الدولة الواحدة في ظل انعدام فرص ديمومة الوضع القائم.
وفي كل حال فإن افتتاحية «هآرتس» حذرت من أن «مصالح اسرائيل غير مرتبطة فقط بسياسة الولايات المتحدة او برئيسها. فاسرائيل تقيم شبكة علاقات متفرعة وحيوية مع الاتحاد الاوروبي، مع حلفائها في العالم العربي، وعليها أن تعمل اساسا من اجل جودة الحياة وجودة الديموقراطية في اراضيها. اما تعليق سلوكها الدولي والمثير للحفيظة بتسويغ يمنحه لها ترامب فمن شأنه ان يعرض للخطر الاساسات الجوهرية الثابتة لطبيعتها ولجوهرها». وحذرت من أن «السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ليس موضوع للادارة الاميركية. ومساعي الرئيس باراك اوباما لتحقيق الحل السياسي جاءت من اجل اسرائيل اكثر بكثير منها من أجل المصلحة الاميركية. وقد صدت هذه المساعي وافشلت ايضا لان حكومة اسرائيل رأت فيها ضررا، من شأنه ان يقوض تحقق الايديولوجيا المسيحانية المتطرفة، التي هي سياسة حكومات نتنياهو».
وهكذا هناك من يرى في فرحة اليمين نذير شؤم ويتمنون من كل قلوبهم أن لا يحقق ترامب وعوده هذه وأن يواصل السياسة التي انتهجها أسلافه. فمن ناحية أميركا مضطرة للتركيز على وضعها الداخلي في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي وهذا يعني مواصلة سياسة الانفتاح والعولمة والتماهي مع مصالح دول أخرى. وطبعا بين هذه الدول، بعض الدول العربية ذات الوزن في مجال النفط والطاقة، والتي يمكن لمعاداتها أن تجلب الضرر للاقتصاد الإسرائيلي. وعدا ذلك فإن منطق الانسحاب من العالم قد يجر عواقب خصوصا من الدول الأوروبية التي رأت في طروحات ترامب نوعا من المعاداة لها ولم تتردد في التصدي لها.
غير أن هذا ليس سوى جانب من القصة في العلاقة الأميركية الإسرائيلية. هناك جوانب لا يجري التطرق لها بتوسع حاليا لكنها قد تحتل العناوين لاحقا. بين أبرز هذه الجوانب واقع تناقض رؤية الإسرائيليين، خصوصا اليمين، لترامب مع رؤية اليهود الأميركيين. فيهود أميركا، وهم الداعم الأكبر لإسرائيل وصحاب التأثير على السياسة الأميركية، يرون في ترامب عدوا. فهو في نظرهم، ليس فقط مجرد معاد للنخبة، وهم جزء أساسي وفاعل فيها اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، وإنما أيضا معاد للسامية. صحيح أنه يبحث هنا وهناك عن أمور تقربه من اليهود، مثل بعض صداقاته وزواج ابنته من يهودي، ولكن ترامب قادم من مدرسة خرجت الكثير من اللاساميين.
وقد أشارت تقارير لمؤسسات يهودية أميركية إلى أن حملة ترامب الانتخابية أظهرت نوازع المعادين للسامية وعززت مشاعر الكراهية المتبادلة بين الأميركيين. فترامب ممثل للشرائح الأقل ثقافة وقيما بين البيض في أميركا. وهو حظي بدعم منظمات عنصرية عديدة بينها الكوككس كلان وأسهم في إطلاق الحملات على وسائل الإعلام وعلى المختلفين عنه دينا أو لونا أو ثقافة. وكان ضد السود والنساء والمسلمين والهسبان في أميركا. وهذا ما يخيف الأغلبية الساحقة من يهود أميركا ممن انتعش وجودهم في ظل الأجواء الليبرالية التي لا تميز بين الناس وفق ألوانهم وأديانهم. وهنا يبرز أول تناقض جدي بين إسرائيل ويهود أميركا. ورغم أن هذا التناقض غير ظاهر الآن إلا أنه مرشح للظهور في أقرب وقت خصوصا أن هذه السيرورة قائمة منذ زمن وتشهد على ذلك مشاركة الكثير من يهود أميركا في حملات مقاطعة إسرائيل خصوصا في الجامعات.
والأدهى أن هناك بين يهود أميركا من يرى أن السيرورة الجارية أصلا في إسرائيل، من ملاحقة للإعلام وبث للكراهية داخل المجتمع هي ما سوف يحدث في أميركا من الآن فصاعدا إذا حقق ترامب وعوده. ويندفع كثيرون في إسرائيل وأميركا إلى إجراء المقارنة بين نتنياهو وترامب بوصف الرجلين جاءا من أدنى الحلبة السياسية ليحاربان النخبة ويدفعان للتطرف باسم وطنية أميركية وإسرائيلية مثار جدل.
وقد ذهب الأمر بألوف بن في «هآرتس» إلى اعتبار فوز ترامب تأكيدا لمرحلة أسماها «حقبة الهوامش» أو الأطراف. وكتب أن السياسة تنتمي اليوم للأطراف وليس للمركز، وهو ما قاد باراك أوباما للفوز أمام مرشحين جمهوريين وما حدث أيضا في إسرائيل عندما فاز نتنياهو على هرتسوغ. واعتبر أن هرتسوغ خسر لصالح نتنياهو «الذي قام بنشر قصص الكارثة والمطاردة الاعلامية والعنصرية ضد المواطنين العرب. انجازات نتنياهو وترامب تؤكد على أن السؤال في الحملة ليس الكذب أو عدمه، بل متى، وأن الاستطلاعات تجد صعوبة في تفسير تصويت المحيط الاجتماعي الذي يحسم الانتخابات وأن المرشح يجب أن يسيطر على البرنامج اليومي الاعلامي ـ حتى لو كان ما يقال عنه سلبيا». السفير
"عواقب وخيمة"... تفاقم الغضب ضد إسرائيل في تركيا
18 أكتوبر 2023