الأجندة النسوية والاجتماعية في المصالحة

ريما كتانة نزال
حجم الخط

لا يمكن إنكار أن حضور المرأة في مشهد المصالحة لا يخرج عن الحضور الديكوري والرمزي، ومَن حظيت بالتواجد والمشاركة؛ كانت في غالب الأحيان من خلال فرز الأحزاب.
ترميز المشاركة تُحال الى عدة عوامل، الفكر الذكوري الإقصائي المسيطر، الاعتماد النسوي على الوعود وقرارات بيع السمك في البحر.
الاستبعاد؛ متوالية هندسية في فلسطين، تردد وتأتأة ولعثمة الخطاب بخصوص المشاركة في صنع القرار، رفض الشراكة الحقيقية مع القوى السياسية والاجتماعية. الأحزاب والقوى السياسية، من ألفها الى يائها، تتصرف كأنها اللاعب الوحيد السياسي في الساحة، الذي يمسك ويسيطر على العناوين الخلافية في نطاق ملكيته الخاصة والعامة. ازدواجية النظرة، فالخلاف مجتمعي حين يتم حشد الرأي لصالح أحد أطرافه، أما الشراكة في الحل فتتحدد وفقاً لاقترابها أو ابتعادها عن منظور الحزب السياسي، مشاركة النساء لا ضرورة إلا إذا ثبت العكس، بحاجة دائما الى تقديم البراهين، تعبير فج عن تبرير الإقصاء، دون زركشة.
على صعيد «حماس»، موضوع مشاركة المرأة في حوار المصالحة غير مطروح برمته، سلاح أيدولوجي بالمرصاد، والطريق غير نافذ. بينما فصائل منظمة التحرير متورطة بخطاب تقدمي وعصري، تميز به نفسها، ضمن مفهوم الهوية او التمايز والخصوصية، لكنه في الممارسة مصطلحات ملتبسة، ليس لها مدلول إلا ما ندر.
المرأة في ثنايا المفردات العشائرية والعائلية. مكانها، أخت وابنة وأم وزوجة، منزلة أم الشهيد وأخته وابنته، انها في منزلة ما بين القاصر والراشد، ليس احتجاجاً أو رفضا للمنزلة النضالية المرتبطة بكونها أما وأخت شهيد وزوجة شهيد، بل لكشف مستور الخطاب: مفارقة الغمز نحو اليسار في تبني المرجعيات، والتوجه نحو اليمين في الممارسة على الأرض. ادعاء أن رمزية المرأة وقداستها أكبر من الكوتا وتلويث قداستها في الخلاف، سياسي محض!
بالنتيجة: إقصاء الحضور العضوي في لجان المصالحة يقصي الأجندة الاجتماعية. قصور مقصود في تعريف الوحدة الوطنية. في نظر القوى تعتبر على اعتبارها وحدة القوى السياسية، وتحقيقها ميكانيكي كتحصيل حاصل لوحدة واتفاق القوى سياسياً، وبما أن الأحزاب تمثل الجميع فلا ضرورة لمشاركة القوى المجتمعية ومنها المرأة في الحوار، بلغة أخرى عدم الاعتراف بقطاع الشريحة الأوسع، المستقلون.
التهرب من مواجهة الخلاف الاجتماعي والفكري يقابله حُكماً تأجيل القضايا وترحيلها، دون اكتراث بأنها تؤدي إلى الاغتراب وتعميق شروخ النسيج الاجتماعي، دون تجاهل تآكل المواقف وعقد الصفقات..
تجاهل ممثلي المجتمع المدني ومنها النساء؛ تجاهل الأجندة الاجتماعية، وهي قضية مختلف عليها أيضا. هوية النظام المنشود، التعددية الاجتماعية والفكرية، العدالة الاجتماعية والمساواة للمرأة، المواطنة والشراكة وحفظ الكرامة، الحماية الاجتماعية لجميع الفئات المهمشة والضعيفة، ضمان حرية الرأي والتعبير والحريات العامة والشخصية في إطار مجتمع مدني تصان فيه المعتقدات السياسية والدينية. لا يميِّز ضد المرأة والأقليات.
البعض يفضل وضع الرأس في الرمل، الخلاف حول قانوني الأحوال الشخصية والعقوبات، وحول مواءمة القوانين لتنسجم مع التزاماتنا تجاه انضمامنا اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ألا يجدر النقاش حولها على مائدة النساء، أولاً؟.
ألا يجدر نقاش منطلقات المناهج المدرسية بين مؤسسات المجتمع المدني المختصة، فالمناهج المختلف عليها تشكل حجر أساس في عملية التغيير المنشود، نحو المجتمع التعددي الديمقراطي.
لا أُعفي المؤسسات النسوية من المسؤولية، فعلاوة على وقوع معظمها في دائرة الاستقطاب السياسي، ونظرتها المحجمة لذاتها وعدم استقلالها، فإنها تنزع إجمالاً الخلاف الاجتماعي والفكري من أجندة مسار المصالحة، حقوق المرأة ومساواتها، بانتظار الضوء الذكوري الأخضر، تصاعد دخان الحل السياسي، عوضاً عن تقديم نفسها بقوة، تقديم أجندتها الاجتماعية، ضمن مفهوم تبادلية المصالح وحمل البرامج. الإشكالية أنها تتفهم الإقصاء، ولا تصنع البدائل.
الحوارات النسوية الموازية رد على سياسة الاستبعاد للنساء والمجتمع المدني، الحوار مطلوب حول الخلاف الاجتماعي النسوي للوصول إلى إجابات ونتائج. حوار يجمع البنى النسوية بمختلف توجهاتها ومنطلقاتها، للوصول الى مقاربات اجتماعية بشأنها.
لا شك بأن مناقشة الشق الاجتماعي تنطوي على طبيعة شائكة وصعبة، ولكن يجب عدم وضعه في قائمة المؤجلات. لا شك بأن تجربة المرأة متباينة في هذا المجال، حيث نضجت تجربة نسوية هامة لدى الحركة النسائية الفلسطينية التاريخية، قياساً بتجربة الأطراف النسائية الإسلامية نظراً لتأخر انطلاقتها. لذلك لا بد من نقاش المنطلقات أولاً، مقاربة جميع القضايا التي تهم الشعب، على أساس رفض التابويات.
في الحوار النسوي الموازي: لا بد من تفهم مواجهته بالعثرات أو التخريب. لذا لا بد من وضع بروتوكولات ومدونة سلوك بين المتحاورات قبل بدئه وتعميمها. رفض التكفير ووضع القوالب والقيود على حق التعبير والنقاش المفتوح. رفض الترهيب الفكري والديني، رفض الاتهامات القمعية؛ التخلف والرجعية والإلحاد. ما يهمنا بدء الحوار وقيمته المضافة، بين المختلفات.