باق من الزمن 61 يوما على تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فى ظل حروب وتوتر دولى غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مركزه المنطقة العربية، وبؤرته سوريا والعراق، حيث تواصل روسيا حشد أكبر تجمع لقواتها البحرية طوال تاريخها، بانضمام سفينتى إنزال إلى حاملة الطائرات الروسية كوزنتسوف و4 قطع بحرية أخري، انطلقت منها باكورة هجوم روسى هو الأعنف على معاقل الجماعات المسلحة فى سوريا، تتجاوز أهدافها القضاء على المسلحين فى شرق حلب، وإنما تمتد إلى إدلب، أهم معاقل جبهة النصرة الإرهابية «جبهة فتح الشام»، بعد أن أقرت إدارة الرئيس الأمريكى أوباما بأنها جماعة إرهابية، قبل أن يغادر البيت الأبيض بشهرين فقط، وكأنه يمهد إلى التراجع الأمريكى عن استكمال مخطط استخدام الجماعات الإرهابية فى عمليات التدمير والتقسيم، والتى لم تحقق مكاسب لرعاتها رغم الإنفاق الباهظ على كل هذا التدمير والقتل.
الحدث اللافت هو الزيارة الفريدة لوفد عسكرى صينى رفيع إلى طهران، وتوقيع عدة اتفاقيات عسكرية مع إيران، فى أبرز تحرك عسكرى صينى خارج شرق آسيا، وهو ما يشير إلى أن التنين الصينى بدأ يخلع قفازاته الحريرية، ويتخلى عن انكفائه السياسى والعسكري، ويكشف عن مخالبه العسكرية مع قرب اعتماده القوة الاقتصادية الأولى فى العالم، منهيا عصر انفراد أمريكا بالصدارة، سواء صاحب إنزال الولايات المتحدة من عرش الصدارة حروب وعنف، أو نزلت طوعا، وكان مجيء ترامب بمنزلة اعتراف جزئى بموازين القوى الجديدة فى العالم، وإن كانت بعض الأوساط داخل الولايات المتحدة وأوروبا غاضبة من برنامج ترامب الذى يهدد بقاء حلف الناتو.
وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى توجه إلى مسقط، وعرض مبادرة على الرياض لوقف الحرب العبثية فى اليمن، وتقضى بوقف الأعمال القتالية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تدير فترة انتقالية تسبق إجراء انتخابات، وهى مبادرة تعنى انتهاء دور الرئيس هادى منصور عبد ربه، وعدم تحقيق الحرب أيا من الأهداف التى وضعتها الرياض، واعترافا بأن جماعة انصار الله «الحوثيين» ستكون أحد أهم المكونات الرئيسية فى حكم اليمن، ويريد كيرى استباق حل ربما يكون أسوأ للتحالف السعودى فى عهد ترامب، الذى أطلق انتقادات حادة لدول الخليج، وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، وألقى عليها بمسئولية تنامى الإرهاب، وتحميل أمريكا تبعات حمايتها دون مردود مالى مناسب. واشتدت حمى المعارك فى اليمن رغم مبادرة كيري، فى محاولة لإحداث تعديل فى موازين القوي، أو ربما حسم الحرب قبل تنصيب ترامب، ليتواصل سباق الدمار ومبادرات السلام على الجبهة اليمنية فى أيام أوباما الأخيرة.
ولا يختلف الوضع فى ليبيا كثيرا عما يحدث فى اليمن، فالسباق بين حكومة طبرق ومن خلفها البرلمان الليبى ومن أمامها الجيش الليبى بقيادة المشير حفتر يحتدم مع حكومة الوفاق المدعومة من الناتو، ويتمسك البرلمان بتعديل جوهرى فى حكومة الوفاق التى شكلها مجلس الصخيرات الرئاسى كشرط للاعتراف بها، فى الوقت الذى تشن فيه قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة الوفاق معركة حاسمة لإنهاء وجود داعش فى مدينة سرت، حتى تتعزز سلطة حكومة الوفاق، بينما الجيش الليبى بقيادة حفتر يطهر ما تبقى من جيوب داعش فى بنغازي، ويتمسك بالسيطرة على على أهم موانى ومصافى النفط، فى الوقت الذى يسعى فيه المبعوث الأممى مارتن كوبلر التوصل إلى تسوية بين البرلمان الليبى وحكومة الوفاق قبل أن يزداد المشهد تعقيدا، مع التوجهات الجديدة لإدارة ترامب.
أما جماعة الإخوان بفروعها المتهاوية فى دول المنطقة فتجد نفسها محاصرة بين أسطول روسيا وعداء إدارة ترامب، بعد أن تبدد حلم فوز منافسته هيلارى كلينتون، ولم يعد لدى الجماعة سوى الحليف العثمانى أردوغان، الذى يستعين بها فى سوريا، ومعها بعض التركمان والسلفيين، بعد أن تقلص حلم إقامة إمبراطورية الخلافة، وأصبح مجرد مشروع لإقامة إمارة صغيرة على الحدود التركية، يوظفها أردوغان فى كبح الأكراد ومساومة سوريا وروسيا، ليحقق بعض المكاسب التى تعوضه ولو قليلا عن حلم عرش امبراطورية غابرة، لا يبدو أن بإمكانها أن ترى النور حتى لو احتلت القوات الموالية لتركيا على بلدة دابق الواقعة شمال حلب، والتى شهدت بزوغ الدولة العثمانية، ويسابق أردوغان وأتباعه كلا من الأكراد والجيش السورى للسيطرة على مدينة الباب، ليطل على حلب، أحيانا بحسرة على حلم كان يعتقد أنه أصبح فى متناوله، أو بأمل أن تحدث معجزة تجعل بمقدوره التقدم مجددا نحو حلب، خاصة بعد أن واصل الجيش العراقى التقدم فى الموصل، وتضاءلت آماله فى نيل جزء من العراق، ولو اقتصر على مدينة تلعفر العراقية ذات الأغلبية التركمانية، والتى سبقه إليها الحشد الشعبى العراقي، الذى يفسد ما تبفى من أحلامه.
عن الاهرام