في الوقت الذي ركزت فيه أميركا الليبرالية ومعها الليبراليون في أرجاء العالم على التهديد الذي يشكله دونالد ترامب، يمكن أنها فوتت التهديد الحقيقي، وهو ستيف بانون، الذي تم تعيينه استراتيجياً رئيساً ومستشاراً رفيع المستوى للرئيس المنتخب، حيث لم يحظ بالاهتمام الكبير كرئيس للحملة الانتخابية. لقد تجاهلته وسائل الاعلام. في الوقت الذي استمر فيه ترامب في التغريد واستقطاب النار لم يظهر بانون في المقابلات ولم يصدر التصريحات.
هذا ملائم لسلوك بانون. فهو شخص ظلال كلاسيكي. الحكمة الميكيافيلية الاساسية لديه منذ أن كان في بنك الاستثمارات «غولدن زاكس» هي «لا تكن الرجل الاول الذي يدخل من الباب لأنك قد تتلقى جميع السهام. غولدن لم يتفوق أبدا في أي منتوج. يجب ايجاد شريك تجاري».
هذا تكتيك يميز شخصاً يحب تركيز القوة في سحب الخيوط من وراء الكواليس. ليكن ترامب هو المتقدم وليفتح بوابة البيت الابيض وليتلقّ النار. ترامب بالنسبة لبانون ليس أكثر من وسيلة لتحقيق هدفه: القضاء على اليسار الليبرالي في أميركا. لا توجد لدى ترامب أي ايديولوجيا. إنه ديماغوجي وشعبوي يبحث عن الصفقات، وكل صفقة هي بمثابة حل وسط. بانون هو ايديولوجي يميني حقيقي ومتطرف. لذلك فان تعيينه استراتيجيا رئيساً قد أصاب المؤسسة السياسية في واشنطن بالصدمة. من الذي سيسيطر بالفعل على البيت الابيض؟
من المحتمل أن يكون ترامب هو الحاضنة وبانون هو الفيروس. الافعى السامة لموقع «بريت بارت»، الذي كان بانون رئيسه والذي يسعى الى تحطيم اليسار وازالة عالم كامل من القيم. التركيز على اللاسامية يكشف جزءاً فقط من الصورة. التهديد الذي يشكله بانون أوسع كثيرا. فهو يسعى الى تحطيم المؤسسة الجمهورية بشكل لا يقل عن تحطيم المؤسسة الديمقراطية. إنه يسمي المتظاهرين ضد «احتلال وول ستريت» الذين هم في معظمهم شباب يعانون من البطالة ولم يضروا أحداً، «الاشخاص الاكثر قذارة على الاطلاق». لماذا؟ لأنه يعتبرهم يساريين.
هناك خشية من أنه يستغل ترامب. وحين انتخب الأميركيون ترامب رئيسا فقد حصلوا عملياً على بانون، رجل الظل، الاستراتيجي، المستشار والشخص الذي سيضع السياسة بالفعل. هناك مجال للافتراض بأن بانون يستخف بترامب، والدليل على ذلك هو أن بانون ادعى في السابق بحماسة أن رد اوباما على هجوم بوتين واعتداءه على أكرانيا كان ضعيفا وغير كافٍ، وأن استعراض القوة الأميركية هذا أمام روسيا له أهمية جيوسياسية. أما ترامب فقد أيد بوتين، ويمكن القول إنه لن يحرك ساكنا اذا احتلت روسيا جيرانها. هذا لم يزعج بانون ولم يمنعه من استقباله في بريت بارت، وبعد ذلك ادارة حملته الانتخابية. لأنه يريد أن يفتح له ترامب الباب للسيطرة على اليمين وعلى الولايات المتحدة.
في مقال في «أتلانتيك» كُتب أن بانون لا يعتبر ترامب – الذي يتعامل بليونة مع بوتين – رئيسا جيدا. ولكن الآن فقط استيقظت وسائل الاعلام الأميركية والعالمية أمام الحقيقة المفزعة أكثر من انتخاب ترامب، وهي أن بانون هو المنتصر الحقيقي في الانتخابات. وأن ترامب هو الطُعم والشرك، والخطر الحقيقي كان موجودا طوال الطريق. كيف قمنا بتفويت ذلك؟ هذا هو الفشل الرئيس لوسائل الاعلام. ليس الاستخفاف بترامب، بل تجاهل بانون كلياً.