بعد يوبيل من السنين، حامت فيها حكومات اسرائيل في الفضاء، فان وزيرة العدل من «البيت اليهودي» بالذات تقول بالفم الملآن: الضفة أرض محتلة، وعليه فان الحماية الواردة في ميثاق جنيف الرابع يجب أن تتوفر للسكان. ميثاق جنيف الرابع يمنح الحماية للسكان المدنيين الذين يخضعون للاحتلال العسكري. فبلا حكومة مستقلة، يمكنها أن تحمي السكان وتحرص عليهم، فان قوانين الاحتلال تستهدف تقليص الضرر على السكان من جانب الجيش والزامه بالحرص على الحقوق الاساسية للسكان.
فمن الذين تريد وزيرة العدل ان تحميهم، وممن؟ اذا كان الميثاق ينطبق على «المناطق»، فلماذا يقولون في «البيت اليهودي» إنه لا يوجد احتلال. فبدءاً من اليوم الاول لاحتلال «المناطق» في 1967 وجدت معضلة أمام رجال القانون: كيف نتحدث عن الاحتلال في العالم؟ فاذا اعترفوا بان هذا احتلال فان القانون الانساني الدولي ينطبق هناك، ما يعني أن الجيش ملزم بان يحتفظ بالأرض باخلاص، والحكومة لا يمكنها السماح بالاستيطان فيها او بهدم المنازل. واذا قالوا ان هذا ليس احتلالا، فان هذا ضم يتعارض مع القانون الدولي، الخطوة التي تفترض أيضا منح حقوق ومكانة للساكنين في المنطقة.
وثائق تعود الى العامين 1967 – 1968 كشف معهد «عكفوت» (آثار) النقاب عنها، تفيد بانه كان واضحا تجاه الداخل ان السيطرة العسكرية تفترض الحفاظ على قوانين الاحتلال. ولكن مع مرور العقود، مع تقدم الاحتلال والاستيطان، اختلفت ايضا فتاوى رجال القانون. ففي تباكٍ قانوني سوغت خطوات تتعارض والمواثيق الدولية، وقد تطور هذا التباكي؛ فرويدا رويدا حرصت الحكومة على الحفاظ على الغموض، ولم تعترف بان الفلسطينيين هم سكان محميون. كما أنهم لم يقولوا انهم ليسوا كذلك. ففي رسالة بعث بها رجال وزارة الخارجية الى السفير الاسرائيلي في واشنطن في حينه، اسحق رابين، بعد تسعة اشهر من احتلال الضفة كتب: «ان خطنا الثابت كان ولا يزال التملص من البحث مع الجهات الاجنبية في الوضع في المناطق المحتجزة على اساس ميثاق جنيف...».
بعد سنوات طويلة من الغموض المقصود، في اثنائها رفضت اسرائيل منح الحمايات الاساسية للسكان الفلسطينيين، تأتي الان وزيرة العدل وتطالب بحمايات خاصة لسكان المنطقة – شريطة أن يكونوا يسكنون في المستوطنات. صحيح أن المستوطنين يعيشون في منطقة محتلة تخضع لسيطرة الجيش، ولكنهم عملياً يعيشون تحت القانون الاسرائيلي والديمقراطي. ومقابلهم، فان السكان الفلسطينيين يعيشون تحت القانون العسكري الذي لا يمنحهم حقوقاً غير تلك التي تمنحهم مكانة سكان محميين. حق الملكية، الذي يسعى قانون التسوية الى مصادرته، كان الحق الاخير الذي لا يزال محفوظا في قرار المحكمة.
في الماضي، مثلما كشف معهد «عكفوت»، حاول رجال القانون ايضاح قيود القانون للقيادة السياسية. أما اليوم فان أدوات قانونية مختلفة ومتنوعة تطرح على طاولة الكنيست والمحكمة، للسماح لاسرائيل بان تتصرف كما تشاء تقريبا. فقانون التسوية وغيره من الافكار التي تحاول الحكومة تمريرها لن تغير الحقيقة: توجد فئتان سكانيتان في الضفة تخضعان لمنظومتي قانون مختلفتين. الأولى عديمة الحقوق، والثانية التي ممثلوها اعضاء في الكنيست وفي الحكومة، بل يخدمون في الجيش الذي يسيطر في «المناطق». لا حاجة الى إجراء مداولات قانونية معقدة كي نفهم من منهما جاء القانون الدولي ليحمي.