غزة / مصر: الأمن مقابل الاقتصاد!

رجب أبو سرية
حجم الخط

توالى الحجيج المجتمعي، السياسي، الاقتصادي ومن ثم الإعلامي الفلسطيني من قطاع غزة إلى مصر، وبدأ موسم الحجيج للقاهرة، بمبادرة غير رسمية، ثم ترافق مع استقبال القاهرة ممثلة بمستواها الأمني لوفد الجهاد الإسلامي، في الوقت الذي أطلق فيه الأمين العام للجهاد الأخ الدكتور رمضان عبد الله شلّح، مبادرته للمصالحة الفلسطينية الداخلية، الأمر الذي يفسر على أنه موافقة أو حتى مباركة وتوفير غطاء سياسي عربي / إقليمي لتلك المبادرة.

يضاف لذلك فتح المعبر فعلياً، الأسبوع الماضي، لخمسة أيام متوالية، بعد فترة قصيرة نسبياً من إغلاقه، أي منذ موسم الحج بمناسبة عيد الأضحى، الأمر الذي أطلق بارقة الأمل بالنسبة لأهل غزة، بتخفيف معاناة الحصار والإغلاق المتواصل لمعبر رفح منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما يعني دون ريب أو شك، أن هناك تطورات سياسية، تحيط بالعلاقة بين مصر وغزة، تفسر جملة الإجراءات التي أشرنا إليها أعلاه.

لابد من القول: إن هذه الإجراءات قد تلت ما وصف قبل وقت بأنه خارطة طريق للرباعي العربي ( مصر، الأردن، الإمارات، والسعودية) لتحقيق مصالحة داخلية فلسطينية، تبدأ بمصالحة داخل "فتح" ومن ثم بمصالحة بين "فتح" و"حماس"، تتوج بإنهاء الانقسام، وبعد أن أغلقت "فتح" الباب على هذه الخارطة التي رأت فيها تدخلاً في الشأن الداخلي الفلسطيني، لذا فإنه لا يمكن لمن يريد أن يقرأ هذه الإجراءات، إلا أن يقرأها في هذا السياق، وعلى أن أحد دوافعها هو المناكفة، والفعل السياسي، حيث إن لكل طرف فلسطيني أو عربي / إقليمي حساباته وعلاقاته، بل وحتى تحالفاته، بحيث باتت شبكة تلك العلاقات والتحالفات معقدة جداً، بل وتظهر أحياناً درجات من المفارقة!

فحركة "فتح" ممثلة بالرئيس محمود عباس، ردت على التراجع النسبي في دفء العلاقة مع مصر _ حيث إنه لا بد من الإقرار بأن خارطة الطريق للمصالحة المشار إليها، كانت مصرية بالدرجة الأولى _ بالاقتراب من محور تركيا / قطر، ولأن العلاقة بين مصر والسعودية مرت بمنعطف في نفس الوقت تمثّل في تصويت مصر العضو غير الدائم في مجلس الأمن ضد مشروع قرار ضد النظام السوري، معبرة بذلك عن اختلاف في الموقف بين مصر وحليفتيها السعودية والإمارات في كل ما يخص الملف السوري، فإن مصر شعرت بالحاجة إلى إحداث تقدم أو اختراق في الملف الفلسطيني.

المهم أن هذه "الحلحلة" في العلاقة بين مصر وغزة، من الصعب أن تتحول إلى حل أو إلى اتفاق نهائي، يجعل العلاقة طبيعية تماماً؛ نظراً إلى وجود عدة مشاكل وعقبات، ما يؤكد ذلك إعلان مصادر نية مصر فتح معبر رفح مرتين بالشهر، أي أن الحديث يجري عن تحسين في الوضع، وعن تخفيف للحصار، الذي لا تفرضه على كل حال مصر، بل إسرائيل.

وكما يقول المثل "الجود من الموجود" ولأن السياسة دائماً هي فن الممكن، فإنه لا مصر ولا "حماس" يمكنهما أن يبتعدا كثيراً في ملف فتح معبر رفح، دون الأخذ بعين الاعتبار جملة التعقيدات المحيطة بالأمر، ومن بين تلك التعقيدات، أن بين مصر و"حماس"، محور تركيا / قطر / الإخوان، هذا المحور الحليف الأهم الآن لـ"حماس"، والخصم اللدود للرئيس السيسي، كما أن بين الرئيسين عباس والسيسي، محمد دحلان، المقرب من القاهرة، وغير المرغوب فيه في رام الله، في الوقت ذاته!

لقد وجدت القاهرة في قطاع غزة، أحد منافذ إسناد الاقتصاد المصري الذي يمر بضائقة، ناجمة عن محاولة السعودية إجبار مصر على تغيير تحالفها مع روسيا، وتغيير موقفها فيما يخص الملف السوري، لذا فإن حماس / السياسية أسرعت في إعلان رؤيتها المتضمنة ثلاث نقاط لفتح معبر رفح، والتي هي رغم أنها ليست جديدة إلا أنها محاولة لالتقاط اللحظة.
الرؤية تتضمن ثلاث نقاط فقط، هي: التعامل مع المعبر على أساس أنه معبر عربي / عربي، أي مطالبة مصر بتجاوز الاتفاقية الدولية العام 2005، كذلك إنشاء منطقة تجارية (سوق حرة) بين الجانبين، ومن ثم التنسيق الأمني بينهما.

المشكلة أن ترجمة هذه الرؤية يتطلب اتفاقاً سياسياً بين مصر وغزة، ولا يمكن لمصر أن تعقد مثل هذا الاتفاق مع "حماس"؛ لأنها ليست جهة رسمية، لذا فإن مصر لجأت إلى التحرك عبر البوابة المقبولة داخلياً على الصعيد الفلسطيني، ونقصد الجهاد الإسلامي، لأنها تدرك أن التعامل مع "حماس" سيفسر على أنه ضعف مصري وخطوة على طريق التنازل والتراجع أمام تركيا / قطر في ملف الإخوان، كذلك الدخول لغزة عبر بوابة دحلان، سيغلق أبواب رام الله، بل وحتى الكثير من نوافذ غزة، فيما الجهاد يتمتع بقبول لدى القسّام في غزة على نحو خاص، لذا جاء تصريح محمود الزهار، بأن مبادرة الجهاد تتمتع بدعم المقاومة، كما أن الجهاد يمثل عملياً "حصة" محور إيران / سورية على الصعيد الفلسطيني.

باختصار يمكن القول: إن التخفيف في درجة إغلاق معبر رفح التي شهدناها مؤخراً، لا تعبر عن خطة أو برنامج لفتحه بشكل طبيعي ودائم، بل تعبر عن تكتيك سياسي، وقد جاء بمبادرة مصرية تامة، وليس تحت ضغط أو تهويش أو تحريض من جانب "حماس" _ على سبيل المثال _ وقد تحمل الجانب المصري قبل ذلك تبعات إغلاق المعبر مُدداً طويلة، وإذا كانت "حماس" تلوح بإغراء اقتصادي لمصر، كذلك تبدي الاستعداد لمعاجلة المخاطر الأمنية الناجمة عن فتح المعبر، فإن قيادة "حماس" أيضاً ستجني الأرباح والأموال من فتح المعبر، لذا فإن مبادلة الأمن بالاقتصاد، لا تحقق عبر رفح وصفة لحل مشكلة الاقتصاد المصري، ولا تضمن شبكة أمان أمنية، والأهم هو أنه لا يمكنها أن تمر كصفقة بين مصر و"حماس" بالتحديد!