لفتت نظري بشكل مستغرب تصريحات الأخ عزام الأحمد حول لقاءات المصالحة، وأنه بانتظار مكالمة الخارجية القطرية!!
بصراحة هذه اللهجة كانت مثيرة للاستفزاز، خاصة وأنها جاءت عقب الحديث عن رغبة مصر دعوة الفصائل لحوار وطني في القاهرة.
إنَّ ما كنا نتوقعه من الأخ عزام الأحمد أو أحد الناطقين باسم حركة فتح أو مكتب الرئيس أبو مازن هو أن يأتي الرد بالترحيب والشكر لإخواننا في جمهورية مصر العربية لمثل هذه الدعوة التي انتظرناها طويلاً، وخاصة بعدما تعاطت الجهات الرسمية مع مبادرة الأخ د. رمضان شلح بشكل إيجابي، ووسعت دائرة الحوار حولها باستضافة أكثر من جهة أو فصيل بما في ذلك وفد قيادة حركة الجهاد في الداخل والخارج.
نحن نعلم أن هناك أصابع خفية على مستوى القيادة الفلسطينية كانت تحرض مصر على حركة حماس، وتتعمد الدفع باتجاه تجاهل الحوار وتعطيل المصالحة، بانتظار تركيع حركة حماس، والضغط عليها كي تأتي ضمن مواكب الصاغرين، فلما استعصى عليها تحقيق ذلك، عادت لطرق أبواب أخرى لم تكن تحرص على طرقها إلا عندما تحاصرها الأزمات، لإيهام مصر العظيمة بوجود بدائل أخرى.
نعم؛ نسمع ونقرأ ونحلل مجريات العديد من الزيارات التي يقوم بها البعض من قيادات حركة فتح لقيادة حركة حماس في الدوحة، بهدف خلق انطباعات وإيصال رسائل بأن هناك ما يتم طبخه خلف الكواليس، ليتبين لنا أن الكثير من تلك اللقاءات ليست أكثر من جلسات سمر وبعضاً من طهي الحصى.
نحن كفلسطينيين نعلم كم قدمت لنا قطر مشكورة لدعم البنية التحتية المدمرة في قطاع غزة، والعمل على استنهاض اقتصادنا شبه المعطل جراء الحصار، وبذل كل ما يعين على توفير حياة حرة كريمة لأبناء القطاع، وهذا ما سنظل نذكره كدين في أعناقنا، كما نقدر لهذه الدولة التي لم تبخل يوماً في كرمها على العديد من شعوب أمتنا.
ولكن نحن نعلم أن مصر كانت طوال سنوات محنتنا الوطنية هي السباقة في التحرك وبذل الجهد لجمع الصف والتقريب بين الخصوم، بغض النظر عن خلافات الأيديولوجيا وأجندات السياسة.. واليوم، وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، أنه بدون حراك سياسي تقوده مصر لإنهاء الخلاف بين طرفي الأزمة في فتح وحماس فإن الحالة الفلسطينية سوف تبقى تراوح مكانها، فيما الاحتلال سيعمد بسياساته التعسفية وحصاره الظالم على تأبيد الانقسام، وتضييع مستقبل شعبنا في دولته الحرة المستقلة.
وبالرغم من الخلاف القائم أو المفتعل مع مصر، إلا أننا على قناعة بأن مفتاح حل قضايانا السياسية هو بيدها؛ لاعتبارات الجوار والتاريخ والانتماء والروابط الأخوية التي لا تغيب عروتها الوثقى على كر الدهور وتطاول العصور.
لقد أحسنت حركت حماس حين أوضحت على لسان القيادي د. موسى أبو مرزوق بأن زمن الحوارات الثنائية لم يعد مناسباً، وأن الأولوية هي لحوارات "الكل الوطني" كي يتحمل الكل المسئولية، وسد باب الذرائع أمام من يتعمد تعليق الأخطاء على شماعة الآخرين.
إن نداء القاهرة للحوار الوطني الفلسطيني هو توجه مشكور ويستحق منا جميعاً الترحاب؛ لأن مصر هي عمود خيمتنا وملتقى آمال وحدتنا، وإذا ما تحركت مصر من أجل فلسطين تجددت فينا الأماني، وتعاظمت الطموحات.
لقد استبشرنا خيراً خلال الأسابيع الماضية، حين انفرجت أسارير العلاقة مع مصر بفتح معبر رفح، وسفر العديد من رجال الأعمال والكتَّاب والمفكرين والطلاب وخلال أيام نخبة من الصحفيين، وقد سعدنا بما سمعناه من حوارات دارت هناك على مستويات رسمية حول ما هو قادم من إجراءات ربما تمثل سياسات جديدة ورؤية واعدة لمستقبل العلاقة مع قطاع غزة، كما أن هناك مؤشرات إيجابية عن قرب تحسن فترات فتح المعبر بما يخفف من معاناة أهل قطاع غزة، كما أن هناك بوادر لتسهيل التبادل التجاري وإدخال مواد البناء بالشكل الذي يعمل على تحريك الاقتصاد الفلسطيني، والتخفيف من حجم البطالة، التي ارتفعت بين الشباب إلى أكثر من 60% بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
تبقى مصر الحبيبة – اتفقنا أو اختلفنا معها – هي بلسم الأمل لشعبنا وقضيتنا، وبيدها مقاليد الكثير من الأمور التي تخص مفاصل حياتنا السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الثقافية والاجتماعية.