منذ خمسة وستين عاما اخترت زميلى أحمد حلمى ليكون زوجى الأول والد ابنتى الكاتبة الشاعرة د. منى حلمى كان متفوقا فى دراسة الطب وأديبا مبدعا،
نبيل الأخلاق تسرب لقلبه وعقله الحلم بتحرير الوطن أصدر مجلة «شعلة التحرير» وأصبح رئيس تحريرها يكتب فيها المبدعون من الطلاب يسرى محمد وأحمد يونس ويوسف ادريس لكن أحمد حلمى يترك الطب والأدب والكتابة ليحارب الجنود الانجليز كان فى العشرين من عمره قائد كتيبة كلية الطب للعمل الفدائى، بعض زملائه فقدوا أرواحهم فى القنال، عباس الأعسر وأحمد المنيسى قتلوا برصاص الانجليز، ومات آخرون حزنا بقلوب كسيرة حين اكتشفوا أنهم كانوا فريسة بين الجيش البريطانى والملك فاروق وحكومة الوفد برئاسة النحاس.
كانت هذه الحكومة تشجع الفدائيين وترسل الشباب الوطنى الى القنال ليحاربوا الانجليز ينجحون فى مهمتهم الخطيرة بسبب الشجاعة والاخلاص يكبدون جيش الاحتلال خسائر فادحة يفزع الانجليز ويهددون بالاطاحة بحكومة الوفد التى ترتعش ثم تتفاوض سرا مع الانجليز لانهاء العمل الفدائى كان احسان عبدالقدوس يكتب مقالات وطنية حماسية يحث الشباب على الكفاح المسلح أردت التطوع من شدة الحماس فى كتيبة كلية الطب لكن الكفاح المسلح لم يكن للنساء، ورفضت التطوع للخدمة والتمريض، وكان احسان عبدالقدوس يلتقى المتطوعين فى مكتبه بمجلة روزاليوسف ثم يرسلهم الى عزيز المصرى للتدرب على السلاح بقشلاقات العباسية يلتقون وجيه أباظة وأنور السادات ومجدى حسنين وغيرهم يتدربون على القتال بالسلاح والتضحية بأرواحهم فداء الوطن مات منهم من مات واحترقت قلوب الأمهات، وعاد منهم من عاد بعد حريق القاهرة، الذى دبره الانجليز مع الملك وأعوانه للقضاء على العمل الفدائى سقطت حكومة الوفد وأصبح على ماهر رئيس الحكومة الجديدة التى بدأت القبض على الفدائيين تغير اسمهم الى «الارهابيين» ودخل بعضهم السجون، وهرب آخرون الى الداخل أو للخارج هذه بعض ذكرياتى فى بداية خمسينيات القرن العشرين التى نشرتها فى الجزء الثانى من سيرتى الذاتية بعنوان «أوراقى حياتي».
وفيها يحكى أحمد حلمى عن مأساة الفدائيين ويقول: «جاءتنا أوامر من وجيه أباظة بعد حريق القاهرة تقول» كل مجموعة تدافع وتحمى نفسها لا تحاولوا الاتصال بنا أو بالحكومة أصبحنا وحدنا فى مواجهة الانجليز، وظهرنا مكشوفا دون حماية كان معنا الأهالى والفلاحون والبدو لكن الناس بدأت تخاف بعد حريق القاهرة وجاءتهم أوامر من البوليس بعدم حماية الفدائيين، وبدأ الانجليز حركة تمشيط للقضاء علينا، تنقلنا فى صحراء التيه بلا مأوى كدنا نقتل بمدفع رشاش أو نصبح أسرى فى نقطة تفتيش انجليزية أخيرا اجتمعنا وقررنا انهاء العمل الفدائى والعودة للقاهرة حيث وجدنا حكومة على ماهر، والأوامر الصارمة باعتقال الفدائيين اختفينا فى الفيوم داخل مغارة بمنطقة أثرية اسمها هرم اللاهون حاولنا الاتصال بوجيه أباظة دون جدوي، واختفى عزيز المصرى والآخرون ممن أرسلونا للموت اكتشفنا غلطة عمرنا، وهى أن العمل الفدائى يبدأ بصد العدو الداخلى لأنه يمكن أن يتعاون مع العدو الأجنبى ويضربنا فى الظهر والبطن ويقضى علينا، أصبحنا مطاردين مثل المجرمين لم نتصور أننا كنا فريسة بين الحكومة والملك والانجليز ومات أحمد حلمى بمدينة القاهرة المقهورة حزنا على الوطن وعلى نفسه وزملائه الذين راحوا ضحية الخديعة والخيانة.
عادت ذاكرتى لهذه الفترة الموجعة وأنا أقرأ كتاب د.هدى عبد الناصر بعنوان «الرؤية البريطانية للحركة الوطنية المصرية» كتابها بحث علمى دقيق موضوعى ذاتى فى آن واحد التلاحم بين العام والخاص الذى يميز العمل الابداعى فى أى مجال علمى أو فنى يربط بين الظواهر، والأحداث يعتمد على الوثائق الخارجية الرسمية والمشاعر الداخلية الذكية بمنهج التحليل السياسى المقارن داخل فترة تاريخية مهمة اشتد فيها طغيان الاستعمار البريطاني، وتوغله داخل مصر بسبب استبداد وفساد الملك والطبقة الحاكمة بأحزابها ازدهرت فيها الحركة الوطنية ضد الاستبداد والفساد، واشتدت قوة العمل الفدائى المسلح فى القنال مما مهد الطريق لثورة الضباط الأحرار، ونجاحها فى خلع الملك وتغيير النظام بزعامة جمال عبدالناصر هل يقرأ الشباب هذا الكتاب المهم عن الفدائيين الأبطال الذين دفنوا فى التاريخ، والحركة الوطنية المصرية المجهولة لدى الكثيرين ؟.
عن الاهرام
ألوية الناصر تنعى أحد مجاهديها ارتقى في رفح
09 أكتوبر 2023