مع دخول القوات العسكرية الى مدينة الموصل، في معركة هدفها هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، بدأ المحللون العرب يرسمون مستقبل المدينة، التي تعتبر واحدة من المدن الكبرى والاستراتيجية في الدولة. في المعارك الجارية يمكن أن نلحظ بسهولة مصالح القوات المتقاتلة عن المدينة، والتي أعلن فيها زعيم «داعش»، أبو بكر البغدادي، في حزيران 2014 بانه خليفة المسلمين. وكما يبدو، فان مصالح المحتلين، المحررين للمدينة، تسبق مصالح سكان الموصل ذات الاغلبية السنية. ويدور الحديث عن معركة قد تقرر ليس فقط وجه العراق بل وجه الشرق الأوسط الكبير.
ليس صدفة أن دخل الصورة الى جانب القوى العظمى دول مجاورة وعلى رأسها تركيا (السنية) وايران (الشيعية). فقد خسرت الاولى في المعركة من أجل دخول القوات التي تحمل التركمانيين والسنة في المنطقة، بالذات في وجه الحشد الشعبي، التنظيم الاعلى للمقاتلين الشيعة الذين يتلقون الارشاد، الدعم، السلاح والمعونة اللوجستين مباشرة من قائد قوات القدس في الحرس الثوري الايراني، الجنرال قاسم سليماني. ويقول الهازئون بالرجل وبالقوات الايرانية إن «قوات القدس تحرر كل شيء في سورية، لبنان، اليمن والعراق – باستثناء القدس».
الحكومة في بغداد، التي يسيطر عليها الشيعة، ملزمة بأن تحرر الموصل بكل ثمن، كي تبسط سيطرتها على كل الدولة. ولكن في الوضع الحالي، يبدو أنه توجد مواقف اخرى، ولن يكون الأمر سهلا للنظام العراقي في الايام القادمة.
تتوجه ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية نحو الموصل وترفع أعلام «كتائب حزب الله»، «تنظيم بدر»، و»عصايب أهل الحق». وكان التنظيم الاخير طرد من صفوفه في 31 تشرين الاول 49 مقاتلا اتهموا بانهم استغلوا عضويتهم في التنظيم واستخدموا اسمه كي يرتكبوا الجرائم.
تجندت هذه الميليشيات كي تنتقم من المقاتلين السنة المتطرفين من «داعش». إذ إن رجال «داعش» ذبحوا في الاشهر الاخيرة المسلمين الشيعة في المناطق التي سقطت في ايديهم في شمال العراق. وتكشف افلام عديدة النقاب عن فظائع ارتكبها الشيعة في الموصل وفي بلدات المحيط في الفترة الأخيرة. أحدها، فيلم يمكن أن يرى فيه فتى ابن 13 يستلقي على ارض رملية، يستجدي وأحد المقاتلين الشيعة يجره من قميصه. وأخيرا، يطلق المقاتل النار عليه ويأمر سائق الدبابة بدهسه كي يتأكد من موته. «هذا بالضبط ما يفعله رجال داعش»، قالوا بغضب، والعناوين الرئيسة التي جاءت بعد نشر الفيلم شددت على ان الجيش العراقي ينفي أي صلة بالحادثة الصادمة.
واذا لم يكن هذا بكاف، فان فيلما صادما آخر نشر عرض مقاتل ميليشيا شيعي يدعو باسم الامام الحسين، بينما في محيطه تنتشر جثث مجهولة مقطوعة الرؤوس. مقاتل شيعي آخر يعبث بجثة ويبتسم. هذا انتقام الشيعة من رجال «داعش». «هم قتلوا رفاقنا، أولئك الكلاب»، يقول واحد من الشيعة ببربرية لا تختلف عن بربرية رجال تنظيم الدولة الاسلامية. الفارق هو في جودة الصور فقط. فبينما حرص تنظيم «داعش» على أن ينشر أفلاما بمستوى وجودة عاليين جدا، فان الميليشيات الشيعية تنشر افلاما تلتقط بالهواتف النقالة بمستوى منخفض.
تخشى الحكومة في بغداد، الآن، من أن تطوع الميليشيات الشيعية من شأنه أن يجعل المساعدة في ميدان المعركة تحديا غير صغير، ويخشون من أن تخرج الامور عن السيطرة. ينطلق، مؤخراً، انتقاد دولي على أفعال الميليشيات في الميدان، واتهم المسلمون السنة في الدولة المقاتلين الشيعة باعمال فظيعة ضد طائفتهم. كما أن الحكومة قلقة من أن المقاتلين الشيعة على علاقة وثيقة ليس فقط مع بغداد، بل ايضا مع طهران ومع «حزب الله» في لبنان. «تنظيم بدر» – الاكبر بين الميليشيات الشيعية – يتلقى تعليماته مباشرة من آيات الله في ايران. وفي نقاط التفتيش الامني في المناطق التي حررت من جديد على ايدي تلك الميليشيات، يمكن أن نلاحظ على الفور من يوالي هؤلاء المقاتلون. فصور الزعيم الروحي، آية الله الخميني، تبين ايديولوجيتهم.
ملك الموت
عزرائيل، ملك الموت في التقاليد الاسلامية، المسيحية، واليهودية. أبو عزرائيل الشيعي هو المنفذ للاعدامات لدى الميليشيات الشيعية. قناة «الحدث» السعودية، وهي قناة اخبارية تعود الى «العربية» والتي تعرضت، مؤخراً، للانتقادات من جانب المسلمين السنة ولا سيما في العراق، لانها عالجت بقفازات من حرير الميليشيات الشيعية، بل شككت في فيلم دهس الفتى بوساطة الدبابة، استيقظت مؤخرا في ضوء الجرائم القاسية التي ترتكبها الميليشيا. وهي تجلب قصة ابو عزرائيل وتسميه مجرما بربريا، يشبه مجرمي تنظيم الدولة الاسلامية. «فهو يشوي ضحاياه ويقطعهم كالكباب»، جاء في الصورة التي رسمت للرجل. «هذا مجرم حرب طائفي».
ومؤخرا ظهر ابو عزرائيل الى جانب ابو مهدي المهندس، القائد الميداني في الحشد الشعبي، والذي أدخلته وزارة المالية في الولايات المتحدة في قائمة منظمات الارهاب في 2009. وهو نائب الجنرال الايراني سليماني الذي يعتبر الشخصية الاقوى في العراق اليوم. تلقى ابو عزرائيل ارشادا على طرق القتل من قائد قوات البسيج شبه العسكرية التي تنتمي الى الحرس الثوري، محمد نكدي.
من الواضح للجميع ان الحشد الشعبي يقاتل في سبيل ايديولوجيا شيعية، وحسب وسائل الاعلام البريطانية، فانه بعد انهاء مهامه في العراق سينتقل للقتال الى جانب النظام العلوي السوري برئاسة بشار الأسد. بالنسبة للإيرانيين، فانه كلما سيطر على مزيد من المناطق، فانها ستكون تحت سيطرة ايران، وهكذا تشتد قبضة الحرس الثوري الايراني على العراق. وعليه، فان الجيش العراقي أبقى التحالف الشيعي غربي الموصل، على الاقل كي يمتنع عن مواجهة محتملة مع الرئيس رجب طيب اردوغان.
حتى الان، بعد خمسة أسابيع من بدء حملة «قادمون يا نينوى»، فان الوضع لا يبشر بالخير للاغلبية السنية في الموصل. «داعش» هو ابن العنف الوحشي الذي مارسه حكم رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، ضد القبائل السنية، ما أدى الى انضمام المئات منهم للميليشيات التي قاتلت ضد الحكومة في العام 2007، وهكذا عمقت الولايات المتحدة تواجدها في المدان. كما أن الميليشيات الشيعية لا تأتي مع مزاج تسامحي على نحو خاص. الشيء ذاته يمكن قوله عن جيش العراق، الذي خرج وذيله بين ساقيه، مكللا بالعار من الموصل. المدينة الكبرى نفسها تتعذب في ضوء هزيمة «داعش» في الفالوجة وذلك لان حصار الحشد الشعبي للمدينة الحق اضرارا هائلة بالمدينة الممزقة والمنقسمة. وقد دفع الامر «أمنستي» الى تحذير حكومة العراق من جرائم الحرب. واتهمت الميليشيات أيضا باختطاف 640 رجلا وفتى سنيا واعدامهم، وكذا بتعذيب 50 آخرين حتى الموت. «لم تكن معركة تحرير في الفالوجة»، قال رئيس مجلس محافظة الانبار، صباح كرهوت. «كانت هذه حملة قتل وتعذيب للمواطنين الذين فروا من داعش الى القوات المسلحة لانقاذ جلدتهم – وهكذا أنهوا حياتهم بمصير مر. أما زيد رعد الحسين، مأمور حقوق الانسان في الامم المتحدة، فقد أضاف: «التقارير عن العراقيين الفارين من الفالوجة والذين يصطدمون بالتعذيب، الضرب، والاعدام بلا محاكمة مقلقة جدا».
إن الحرب الطائفية تسفك الكثير من الدم. الاكراد يقاتلون على قطعة أرضهم من اجل اقامة دولة آمنة خاصة بهم تمهيدا لاعلان الاستقلال. الحكومة في أنقرة ترى نفسها حامية للسنة العرب وهي تدعم الميليشيات السنية التركمانية، حتى وان كان دورها طفيفا جدا في المعركة المتواصلة. ايران، رغم علاقتها القوية مع رئيس كردستان العراق، مسعود برزاني، تخشى من أن رغبة الاكراد عندها أيضا في الانضمام. كل هذا يترك أرضا خصبة لابو عزرائيل.