تهتم دول ومنظمات وأفراد بمؤتمر حركة فتح القادم حتى أصبح شأنا عاما فلسطينيا، بل وعربيا، وهذا مما لا يعيب هذه الحركة بل يزينها ويتوج رأسها بالفخار... فهي حركة عروبية من أرومة الحضارة العربية الاسلامية بشقيها الأصيلين المسيحي والاسلامي، وهي لا تسير كرافعة أو قاطرة وطنية الا بالقطار العربي الحر الذي يركبه أيضا معنا كل أحرار العالم .
أقدم احترامي الشديد لكل من كتب مؤتمنا على فلسطين، فقدر لحركة فتح انجازاتها التي يراها حتى الأعمى ولا ينكرها الا الجاحد، وأحيي من انتقدها بقسوة ولكنه مؤتمن أيضا، وهو ما يجب ان تستوعبه حركة فتح قطعا.
أود أن اتقدم بعظيم الاحترام أيضا لكل الفعاليات الوطنية والمؤسسية، ولقيادات الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها قيادات فصائل المنظمة، و"الجهاد الاسلامي"، وقيادات وازنة في "حماس" أمثال د.غازي حمد و د. أحمد يوسف و د.موسى أبو مرزوق وعزت الرشق وغيرهم الذين كتبوا ناقدين أو ناصحين أو متمنين الخير من باب الحرص على المسيرة، ومن باب الدعم بتحقيق الشراكة الوطنية، وعبروا عن مرارة الواقع الأليم وضرورة أن نتجاوزه معا وسويا ويدا بيد.
جلطة حركة فتح والمفاتيح
إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح مقبلة على معركة صعبة جدا، ولربما يشبه عجاجها ما خالط تلك الموجة العاتية التي ضربتها عام 1983 إثر الانشقاق الكبير، فالتكالب على قلب الحركة لم يترك لهذا القلب أن يضخ الدماء بقوة، ولم يترك للدماء أن تتجدد بسهولة في الشرايين، ما يعني ان كثير من الانسدادات والجلطات قد تكون أمامنا ما ينذر بخطر وشر مستطير.
إن حركة فتح ليست أمام معركة صعبة في إطارها التنظيمي فقط وبنيتها، وهو محور الحديث اليوم، بل ومحور التغيير الكبير، وإنما أيضا في خياراتها السياسية الأساسية ثانيا، وفي طبيعة رسم تشابكاتها الاقليمية، فمن المعلوم أن حركة فتح التي امتلكت حتى اليوم مفتاح النضال بإرادة الشعب الفلسطيني لفترة طويلة قد نازعها غيرها على المفتاح واستنسخوا مفاتيح جديدة، فلم تعد القضية الفلسطينية تُطرق من بوابة حركة فتح فقط، ولم يعد العالم يطل فقط من على شرفة حركة فتح أو الفصائل ليرى فلسطين، ما يحتاج منا لوقفة جادة ويحتاج منا للجلوس مع جميع حَمَلة المفاتيح الجدد من اخواننا في الجهاد والنضال من فصائل العمل الوطني بما فيها "الجهاد" و"المبادرة" و"حماس" وغيرها
نجلس معا لنتفق على السبيل والدرب أو السبل والأبواب التي يجب أن نطرقها معا لنعدّل (المعادلة التي انحرفت عن مسارها) كما يقول د.غازي حمد، ولتقرأ "حماس" ونقرأ نحن كما يضيف حمد (الواقع السياسي الفلسطيني المتقلب بل والخطير قراءة موضوعية مجردة بعيدة عن القراءة التنظيمية المحضة)، وبعيدا عن (الحديث عن الشرعيات وعن الفسطاطين واسقاط الاخر)، ما يوجب ألا (نضيع سنوات من عمرنا والوطني في صراعات وخلافات فارغة) بل يجب أن نعيد (صياغة المعادلة الوطنية من جديد تبدأ بالبرنامج السياسي ثم اصلاح العلاقات الوطنية على أسس الاحترام والتكامل ... والاحتواء والاستيعاب وتقاسم الحمل) ،وكل ما ذكره الاخ غازي ما أوردناه بين قوسين اتفق معه وأشد على أيدي اخوته من نفس النهج الوحدوي في "حماس" وفي حركة "فتح" وكافة الفصائل.
العابثون بالوحدة الوطنية
إن مؤتمر حركة "فتح" ليس (مؤامرة لتنهي دور حركة فتح التاريخي من فئة ضالة عابثه من قيادة الصدفة) كما قال أحد الناقمين على الحركة لأسباب شخصية بحتة، ولا نتفق أبدا مع الأوصاف المهينة التي أسبغها البعض على هذه الحركة التاريخية العظيمة فقط لمجرد الاختلاف بالمواقف، أو لعدم حضور هذا المؤتمر أو تلك الفعالية، أكان يتفق هذا الحضور أو عدمه مع النظام الداخلي للحركة أم لا.
مؤتمر حركة "فتح" ليس (مهزلة مزاجية) وليس هو (مؤتمر أبومازن .. الذي ليس له مشروع وطني) كما يقول صلاح البردويل هادما كل البناء الايجابي لتيار الوحدوية وان صغر في "حماس".
إننا مقبلون على مؤتمر يؤسس لمرحلة جديدة، ويواجه تحديات، نعم.... يجب أن نتصدى لها على الصعيد السياسي في عديد الملفات الهامة التي سيتعرض لها البرنامج السياسي والبرنامج الوطني بالتفصيل
هل نطفئ الشعلة؟ أم هم منا؟
إننا أمام خيارات سياسية صعبة بلا شك، وأمام تشابكات إقليمية ودولية أضعفت كثيرا من وهج القضية الفلسطينية، كما أضعفنا نحن هذا الوهج... بل ودلقنا على ناره الوقادة دلاء الماء حتى كادت تنطفئ الشعلة نتيجة خلافاتنا المستفحلة، والتي لم أرى فيها من كثير من دُعاة المقاومة المسلحة أو دعاة المقاومة الشعبية إلا شعارات أو مناكفات ضد بعضنا البعض!
لن تثمر الدعوات والشعارات أبدا الا في حالة وحيدة (حتمية كما دأب الشيوعيون يقولون) هي وضع الحسابات الحزبية والأنوية الذاتية الشخصية جانبا، واختيار فلسطين فقط عبر البوابة الواسعه التي لا تحتاج لمفاتيح بديلة أو مستنسخه أبدا، وهي بوابة التوافق السياسي الوطني في إطار التنوع المحمود، وبوابة الشراكة الوطنية وبوابة الوحدة الوطنية فنحن في حركة "فتح" من "الجهاد" وهم منا، ونحن من "الشعبية" وهم منا، ونحن من "حماس" وهم منا.... مهما اختلفنا أو تنوعنا، فنحن شعب واحد ضمن أمة لن يبور سعيها الجمعي بإذن الله.
يصر د.أحمد يوسف على تسمية الخلافات (خلافات تنوع لا تضاد بارك الله به) وعليه فكل النباتات المتسلقة في صفوفنا سيقضي عليها حين تنفتح البوابة وندخلها جميعا .
ان حركة فتح التي تواجه مرحلة سياسية صعبة على الصعيد الميداني من الاحتلال والاستيطان والتهويد والقتل والحصار لغزة... وعلى الصعيد الدولي والاقليمي (مؤتمر باريس، معركة ادانة الاستيطان ووقفِهِ، أمريكا الجديدة والصهيونية، انقلابات الاقليم وتناثر مكوناته...) تحتاج لكثير من الأناة والتفكّر والتبصّر الذي لا ينفع فيه التفكير الأوحد، أو عبر الشرفات، أو من خلال القصور العاجية أبدا، وينفع معه التفكير المشترك والحوار معا بالمبادئ والأفكار والقيم الجامعة، والله معنا ان كنا مقبلين ميممين شطره ، وشطر فلسطين، والا فان نارنا الثورية ستخمد فتنطفئ مشاعلنا، ويستطيع الشعب الفلسطيني البطل أن يشعلها بدوننا جميعا.
معاول الهدم والقطران
على صعيدنا الداخلي كثُر الحديث عن الخلافات، وتصاعد الى الدرجة التي طغت فيها على الخطر الصهيوني القائم والمقيم والداهم، وما ظننت كثير من هذا الصراع الداخلي الا في إطاره السلطوي التسلطي الاستبدادي الذي لا يرى الآخر الا جثة هامدة، ولا يرى الآخر الا نقيضا، فيستقوي عليه أما بعصا النظام والسلطة، أو بضغط الخارج المرعب.
أفهم الصراع الداخلي على قاعدة المشروع والقرار والأولويات، ولا انساق مع الصراع حين يتمحور حول الشخوص أو "الأنا الممركزة" فالفكرة والمشروع أدوم والشخص زائل.
إن امكانيات التلاقي والتجاوز والاعتراف، بل والتجاور متوفرة حتما بيننا، ولها من الضرورات والموجبات الكثير مما لا تحصى فوائده.
لن أقرر ولن أحكم أين الخطأ وأين الصواب في هذا النهج أو ذاك فلا يوجد أصلا (نهج) واضح متبع، ولا يوجد (جدول أعمال) للخلافات الذي إن وجد -أي النهج- يؤدي بالحوار لان يرتقي من لغة المصالح ولغة الشتائم والحقد والاتهام الى الفكرة والى السياسة والعمل ضد الاحتلال، والى تتبّع المخاطر ووضع البدائل وتخيّر السُبُل.
فهل نحن داخليا نقوم معا بحمل معاول الهدم في بنائنا وجسدنا كل من طرفه حتى نجد أنفسنا بلا بناء يجمعنا ؟ أم نحن في غرور الأنا والكِبْر والنزق والانزلاقات والشخصنة قد أضعنا البوصلة؟ وقفزنا عن كثير من الجوامع بيننا ؟ أم أننا الحالمون أن يدعمنا الشقيق ونحن أشلاء ممزقة ؟ أم نحن من الداعين الى الله أن يوفقنا ونحن لا نستخدم القطران أبدا ولا نعقلها فنتوكل.؟!