رغم أن المؤتمر الوطني السابع لحركة "فتح" ينعقد بعد أكثر بقليل من ثماني سنوات، وبتأخير عن موعده الطبيعي أو الشرعي بنحو ثلاث سنوات، إلا أن المراقب للتحضيرات التي تسبق عقد المؤتمر، يعتقد أن المؤتمر ينعقد على عجل، حيث إن صحّت هذه التقديرات أو التخمينات أو حتى الهواجس، فإن ذلك يؤثر سلباً على النتائج المرجوة والمنتظرة من المؤتمر.
من المعروف أن المؤتمرات الخاصة بفصائل العمل الوطني، كانت تشكل محطات مهمة لها، من حيث أنها كانت تمثل مناسبة لمراجعة مجمل مسيرة العمل بكل مستوياته: التنظيمية، والسياسية، والإعلامية، والمالية والجماهيرية، وحين يجري الحديث عن "فتح" بالتحديد، فإن الأمر يعني أكثر بكثير من شأن خاص بالتنظيم، فـ"فتح" هي أكبر وأهم الفصائل الفلسطينية وما زالت تقود المسيرة الوطنية منذ خمسة عقود متواصلة، داخلياً وخارجياً، سياسياً ومجتمعياً، لذا فإن مراجعة مسيرة حركة "فتح"، بعد مضي ثماني سنوات، أمر في غاية الأهمية، بالنسبة لكل مواطن فلسطيني قلبه على القضية الوطنية وعينه على المصلحة العامة.
لا بد من القول أولاً، إنه على عكس المؤتمرات الأولى لحركة "فتح"، التي بدأت منذ العام 1962، أي قبل الإعلان عن الحركة رسمياً، وقبل شروعها في تنفيذ عملياتها العسكرية التي أعلنت وجودها منذ العام 1965، كانت تعقد الحركة مؤتمراتها الأولى في فترات قريبة، لدرجة أن الفارق الزمني بين المؤتمر الأول والثاني كان عاماً واحداً فقط، وكانت تلك المؤتمرات بالطبع تنشغل بتحديد إستراتيجية العمل الوطني، خاصة الكفاح المسلح منه، ثم وبعد أن استقر الحال بالحركة التي تولت عبء قيادة م.ت.ف ومجمل العمل الوطني بكل أبعاده، تباعدت الفواصل الزمنية لدرجة أن المدة بين المؤتمرين الخامس والسادس وصلت إلى عشرين عاماً، ولأن المؤتمر السادس كان قد تأخر كل هذا الوقت، قيل إن السبب كان انشغال الحركة أولاً بقيادة الانتفاضة الأولى، وثانياً بتأسيس السلطة، لكن وبعد انعقاد المؤتمر السادس، وبسبب من إيلاء الرئيس محمود عباس اهتماماً خاصاً، ببناء المؤسسات وتكريس ثقافة سياسية تقوم على العمل الجماعي وعلى احترام المؤسسات والقانون العام، فإن التوقع العام كان أن تتوالى وتيرة عقد المؤتمر الحركي كل خمس سنوات دون إبطاء أو تأخير.
لكن المؤتمر السابع، الذي يبدو أنه سينعقد، فعلاً، بعد أيام، تأخر ثلاث سنوات، وهذا التأخير يحتاج إلى إجابة وتفسير بعد اهتمام ونقاش من قبل المؤتمر، كذلك فإن المؤتمر مطالب بأن يجيب عما فعلته حركة "فتح" خلال ثماني سنوات مضت، أولاً على الصعيد الوطني، ولِمَ أخفقت حتى اللحظة في التوصل مع حركة "حماس" إلى اتفاق ينهي الانقسام الداخلي، ثم لِمَ أخفقت في إطلاق انتفاضة شعبية، مدنية / سلمية تجبر إسرائيل، على الأقل، على العودة إلى المسار التفاوضي بظروف ومحددات تضع حداً للاحتلال.
مطالب أيضاً مؤتمر "فتح" السابع بأن يجيب عن السؤال المتعلق بالتراجع في الاهتمام الإقليمي والدولي بالملف الفلسطيني، وأن يضع بالتالي خطة أو خطوطاً عامة لسياسة إستراتيجية جديدة، تطلق هجوماً سياسياً / دبلوماسياً، مترافقاً مع كفاح ميداني يجعل إسرائيل بين خيارين أحلاهما هو حل الدولتين.
كذلك يفترض في المؤتمر أن يناقش أداء حكومة السلطة على كافة المستويات، خاصة الاقتصادي منها، ومستوى نجاحها من عدمه في توفير الخدمات التي تعزز صمود شعبنا على أرضه.
ونتوقع من المؤتمر أيضاً أن يناقش علاقات "فتح" الوطنية، أي مع فصائل العمل الوطني والإسلامي، حيث يمكن القول إن "فتح" نجحت نسبياً خلال الأعوام التي تلت العام 2008 في احتواء التوتر الإعلامي، خاصة مع "حماس" بالذات، وإن "فتح" نجحت في البقاء بموقع التنظيم الأول المسؤول وطنياً، رغم مظاهر الشيخوخة التي تسم التنظيم، خاصة في مستواه القيادي، بعد خمسين عاماً على الانطلاقة.
لا بد من أن يجيب المؤتمر الحركي السابع عن سؤال في غاية الأهمية، وهو لماذا يعجز التنظيم الأول من حيث تراثه وحضوره عن أن يكون جماهيرياً، ليس بالتصويت أو استطلاعات الرأي أو حتى الانتخابات في المجالس المحلية أو الطلابية، ولكن على المستوى الكفاحي، حيث إنه رغم أن رئيس حركة "فتح"، شخصياً، أطلق ومنذ سنوات شعار المقاومة الشعبية / السلمية، ورغم أن أحد قادة "فتح" الوزير / الشهيد زياد أبو عين قضى على درب هذه المقاومة، إلا أنها لم تنطلق لا في الضفة ولا في القدس ولا في غزة، ورغم انطلاق انتفاضة السكاكين إلا أن تلك المقاومة لم تنطلق بعد!
لا بد من التوقف عند كل مظاهر الاحتلال، وعند هبة السكاكين التي انطلقت قبل أكثر من عام ثم تراجع منسوبها إلى أن ذوت، وبعد ذلك لا بد من التوقف عند الوضع الداخلي للحركة، التي تبدو كما لو أنها ما زالت تدفع ضريبة التداخل مع السلطة وحملها على أكتافها، كذلك تدفع ثمن الانقسام الذي يظهر على وحدتها الداخلية، خاصة بين غزة والضفة، وليس أدل على ذلك من حاجة أعضاء المؤتمر من غزة إلى موافقة "حماس" ثم إسرائيل على المشاركة في أعمال المؤتمر.
كل الخشية من أن يكون عقد المؤتمر قد جاء رداً مباشراً على موقف سياسي إقليمي، أو لصد هجوم سياسي خارجي، ظهر فجأة، أو حتى لترتيب شأن داخلي / تنظيمي، وأن ينشغل المؤتمرون بالبند الانتخابي فقط، وأن يطغى التنافس على منصب نائب رئيس الحركة على الهدف من الحديث عن الموقع التنظيمي المنتظر استحداثه، وأن تتم معاجلة البند الانتخابي بالتربيطات والتحالفات، دون الاهتمام بتجديد دماء الحركة، حتى لا تلي "السابع" استراحة المحارب التاريخي، بدلاً من تسليم الراية لمحارب شاب!