تحدثتُ، هذا الأسبوع، مع صحافية توجد في المقاطعة الكردية، وبصفتها كردية لها أذن حساسة لما يحدث في الموصل، لأن المعركة هناك مهمة بالنسبة لشعبها، وما يقلقهم الآن هو اليوم التالي.
من الواضح أنه سيتم تحرير المدينة من "داعش"، والسؤال هو ما الذي سيحدث بعد ذلك. الوضع هناك معقد. تقريبا جميع مشكلات الشرق الأوسط تنضوي تحت معارك تحرير الموصل في العراق.
أحيانا يحمل التاريخ تحديات تتركز وتتحد في وجهها جهات مختلفة من اجل تحقيق شيء للجميع مصلحة فيه. في حالات كهذه يبدو أن التقاء الطاقات يخلق أمرا جديدا، وفي أحيان كثيرة عندما ينتهي الحدث الذي خلق التحدي، تتحول هذه القوى والطاقات إلى نار محرقة، تقضي ليس فقط على التعاون المؤقت، بل أيضا على ما هو موجود في المحيط. كان هذا مصير التعاون بين القوة العظمى الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وبين الدول الغربية الديمقراطية برئاسة الولايات المتحدة في الحرب ضد ألمانيا النازية، الذي صمد إلى حين احتلال ألمانيا. قد يحدث هذا الأمر في الموصل التي تتوجه إليها قوى كثيرة ومتعددة، وقد يتبين في المستقبل أن هذه المعركة ستشكل مرحلة مفصلية في الشرق الأوسط.
خمسة جيوش كبيرة تحارب هناك، إضافة إلى مجموعات صغيرة. القوات الكبيرة هي:
1- جيش العراق، الذي يخضع لحكومة شيعية وتأثير ايران، والذي تم تدريبه بمساعدة كبيرة من الولايات المتحدة، والذي من المفروض أن يكون محايدا في الصراع بين الطوائف.
2- مليشيات شيعية تخضع لإمرة ايران وتسعى إلى تحقيق المصالح الضيقة للشيعة على حساب السنة، بما في ذلك تطهير المكان من أي جهة سنية.
3- البشمارغا. وهي قوة الأكراد العسكرية التي تحاذي مناطقها المستقلة الموصل، وتريد توسيعها أو على الأقل التأثير في الموصل.
4- مليشيات سنية، خصوصاً من قبائل الغرب – التي تحارب من اجل عدم تحويل المدينة إلى منطقة يقوم فيها الشيعة بالقضاء على السنة.
5- الأتراك الذين لا يعترفون بـ "اتفاق لوزان" من العام 1923، والذي رسم بعد الحرب العالمية الأولى حدود تركيا في هذه المنطقة. والآن يريدون منع الأكراد من تحقيق أي إنجاز. بالنسبة لهم هم يريدون استعادة المناطق التي كانت حتى الآن تحت سيادة العراق.
كل هذه القوات تتركز حول الموصل، حيث إن هدف القضاء على "داعش" يوحدها، والسؤال هو ما الذي سيحدث في اليوم التالي وبعد اختفاء العدو المشترك؟ حيث يتوقع أن تقوم كل مجموعة ببذل الجهود لتحقيق أهدافها على حساب المجموعات الأخرى، لأن جزءاً من الخلافات فيما بينها هي نتيجة خلاف امتد سنوات طويلة لا يمكن حله.
تحدٍ كبير سينشأ إذا سيطر الشيعة على المدينة، وفرص ذلك كثيرة. في هذه الحالة قد يحدث ذبح كبير أو طرد للسكان السنة في المدينة. الموصل بالنسبة لإيران المدينة المفتاح. فإذا نجحت في "تطيرها" من السنة فذلك سيُمكنها من تحقيق الحلم الشيعي الإيراني بعيد المدى، وستنشأ فرصة للاستمرار بالتوجه نحو الغرب، من جنوب تركيا نحو شمال سورية، وبعد احتلال مدينة حلب باتجاه البحر المتوسط والالتقاء مع العلويين في سورية والشيعة من "حزب الله "في لبنان.
هكذا سيتم استكمال ما يسميه ملك الأردن، متخوفا "الهلال الشيعي، ممر إيراني يقطع العالم العربي من طهران إلى بغداد ومن هناك إلى دمشق وبيروت". وأخيرا ستتمكن ايران من تحقيق ما بدأت به بعد ثورة الخميني في العام 1979 وما سمي بـ "تصدير الثورة". هذا الأمر وجد دفعة حقيقية بعد توقيع الاتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى برئاسة الولايات المتحدة، وسيكون ذلك تعبيرا جغرافيا واضحا عن صعود قوة ايران في المنطقة.
إن انضمام ايران والولايات المتحدة إلى المعركة ضد المنظمة السنية المتطرفة، والنتيجة الصعبة بالنسبة للسنة بعد المعارك، خصوصا إذا انتهت المعركة بالقتل أو الطرد لعدد كبير من المواطنين السنة، كل ذلك قد يخلق شعورا سنيا حول ضياع الطريق. كيف سترد السعودية على ذلك، التي تحاول قيادة الأغلبية السنية في العالم العربي؟ وكيف سترد تركيا، التي توجد بينها وبين الامبراطورية الفارسية عداوة تاريخية؟ هل ستتصرف كقائدة للسنة وتضع نفسها في موقف مختلف عما هو اليوم، أي دولة قوية تسير باتجاه مركز منصة الشرق الأوسط؟
إذا تقدم جيش تركيا إلى داخل العراق، فإن بغداد ستكون أمام قرار صعب حول كيفية فرض سيادتها، ولا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف على الهامش، لذلك فإن هذه الخطوة لن يتم اتخاذها بشكل سهل من قبل تركيا، لكن يجب أخذها في الحسبان، والنتيجة ستكون تعزيز معنويات "داعش"، حيث لن يكون للسنة بديل، والسنة سيتدفقون كلاجئين إلى أوروبا، وعلى هامش ذلك، ماذا سيكون مصير كردستان التي تخاف من تركيا؟
قنبلة موقوتة
في العالم الذي توحد من اجل القضاء على التنظيم البربري في الموصل، تزداد المخاوف من عودة المواطنين المحليين إلى الأماكن التي خرجوا منها للقتال في سورية والعراق. سيعودون إلى منازلهم مع معرفة عسكرية ورغبة في الانتقام والشعور بأنه ليس هناك ما يخسرونه، وفي المقابل، ستصعب معالجتهم كونهم مواطني المكان، وكثير من الدول ستضطر إلى تغيير قوانيها من اجل مواجهة التهديد المتزايد.
المكان الذي من المفروض أن يحتفل فيه العالم بالانتصار على الحركة الإرهابية الفظيعة قد يتحول في اليوم التالي للاحتفال إلى بوابة جهنم تتركز فيها كل أمراض الشرق الأوسط.
الصراع الشيعي – السني، تهديد الإسلام السني المتطرف للدول، الحرب بين ايران والسعودية (من خلال وكلاء)، التوتر بين الأكراد والأتراك، التواجد الإيراني أمام تراجع قوة الولايات المتحدة وروسيا التي تعمل من اجل الحفاظ على الأسد في الحكم. عندما ترى كل هذه القوى المتناقضة أنه حان الوقت لتقاسم الغنائم، قد يبدو المشهد سيئا جدا.
مع استمرار الصراع الدموي في المنطقة، يجب على إسرائيل الاستمرار في السياسة التي اتبعتها حتى الآن: البقاء خارج اللعبة ذات الأبعاد التاريخية وتحديد المصالح الحيوية وعلاج الحالات التي يتم فيها تجاوز الخطوط الحمر، التي قامت بوضع علاماتها بالرمال المتحركة والدامية في الشرق الأوسط.
عن "إسرائيل اليوم