بعد ان تم بالإمس دحض سيناريو التعمد في عمليات الحرق، التي سعى اركان الحكومة الإسرائيلية إلى إلصاقها بالفلسطينيين لتعليق عجزهم وبؤس حالهم على شماعة التحريض على الفلسطينيين. حيث أخذت بعض الاصوات ترتفع في هذا الإتجاه، فجاء الجمعة الإرهابي بينت ومعه حاخام صفد، شموئيل إلياهو، ليحرضا على القتل، وشحن الشارع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وحرف الصوت الإسرائيلي عن بوصلة إسقاط الحكومة المفلسة إلآ من عملية الإستيطان الإستعماري وتعميق خيار الكراهية العنصرية، وتحميلها المسؤولية الأولى والأخيرة عما جرى ويجري من بهتان وضعف في مواجهة الحرائق الطبيعية، التي مازالت تستعر في محتلف المناطق.
في قراءة مغايرة إجتهد بعض المراقبين الفلسطينيين في إستقراء ما يجري في الساحة الإسرائيلية، معتقداً ان الأمر قد يكون جزءا من مناورة إسرائيلية لإختبار قدرات اجهزتها والمجتمع الإسرائيلي على مواجهة التحديات، لاسيما وانها اعلنت خلال الأسبوع الماضي عن إجراء مناورات لمواجهة الإحتمالات التي يمكن ان تتعرض لها الجبهة الداخلية. غير ان هذا الإجتهاد تنقصه القراءة المعمقة، فإسرائيل قد تشعل نيران هنا او هناك ولكن تبقيها تحت السيطرة، ولا تسمح لها بالخروج عن السقف، الذي يعريها ويكشف هشاشتها، ويدفعها للإستنجاد بالدول الأخرى وفي مقدمتها دولة فلسطين بإلإضافة للدول العربية، التي دخلت على الخط قبل يومين مصر والأردن مع كل من روسيا واليونان وقبرص وتركيا وكرواتيا وإيطاليا، ويقال ان الولايات المتحدة ارسلت أيضا طواقم لذات الغرض. وبالتالي الحديث عن مناورة تشعل فيها إسرائيل 220 موقعا في طول وعرض البلاد، هو سيناريو غير واقعي وواهن. وفيه تبسيط لقراءة المشهد الإسرائيلي.
النتيجة المنطقية المنسجمة مع الواقع القائم وتقبل القسمة مع إشتراطات اللحظة الراهنة مناخيا، تنحاز للسيناريو القائل، بأن الحرائق، ليست نتاج فعل فاعل، إنما نجمت عن إهمال من قبل رواد المنتزهات والاحراش، وكانت الرياح وسرعتها وإنخفاض نسبة الرطوبة عوامل مساعدة لمضاعفة حجمها وسرعة إنتشارها إلى مناطق مجاورة. لكن هذا الإهمال كشف خواء الدولة الإسرائيلية وجهاز دفاعها المدني، رغم التحذيرات السابقة، وايضا إفتضاح وهن الجبهة الداخلية، التي ظهر انها ليست مؤهلة لهكذا مواجهة بسيطة مع النيران، ولا نقول مع سقوط أعداد كبيرة من الصواريخ.
وفي عجالة لقراءة تداعيات الحرائق، يمكن الإفتراض بالتالي: اولاً التأكيد على إفلاس الحكومة اليمينية المتطرفة، والدعوة لإسقاطها. ومحاولة إلصاقها تهمة الحرائق بفعل فاعل، لا يعفيها من مسؤولياتها، حيث ظهر بؤسها بشكل مريع امام الشارع الإسرائيلي والعالم؛ ثانيا الدعوة لتطوير جهاز الدفاع المدني، لا سيما وانه وصل حد الإنهاك، ولم يعد قادرا على مواصلة العمل بالطاقات والإمكانيات والمعدات المتوفرة لديه؛ ثالثا إعادة نظر في الإستراتيجية الأمنية القائمة، حيث سيتجه الخبراء العسكريون إلى قراءات ومناحي مختلفة في حقل الأمن. ولن تقتصر القراءات عند حدود المعالجات الكلاسيكية، وستحظى الجبهة الداخلية باهتمام متزايد، لأنها باتت عارية تماما امام الشارع الإسرائيلي؛ رابعا سيتجه عدد من الإسرائيليين لخيار الهجرة المعاكسة نتاج شعورهم بغياب الإمان الذاتي، ليس فقط من الأعمال الحربية، وإنما من عدم وجود ضمانات داخلية إسرائيلية. خاصة وان اليهودي الصهيوني ليس لصيقا بالأرض ولا معنيا بالإنتماء إلآ لمصالحه الفردية، وكل الديماغوجيا التي تؤججها مؤسسات الدولة والحكومة واحزاب اليمين واليمين المتطرف وحاخامات القتل والموت وقطعان المستعمرين، لا تشكل رصيدا في وعي أتباع الديانة اليهودية في إسرائيل، إنما يمكن المتاجرة بها لحين ولحسابات شخصية؛ خامسا تحويل الأموال المرصودة لشراء الغواصات لشراء طائرات ومعدات خاصة للدفاع المدني.
مما لا شك فيه ان هجمة الحرائق او "إنتفاضة الحرائق" كما وصفتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" تعتبر تجربة مرة في سجل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ولا يعتقد المرء، انها ستمر مرور الكرام. وسيكون لها ثمن كبير أعظم من الرشوة في الغواصات الألمانية. وهنا في حال أفلس الكنيست في التصويت على حل ذاته وتبكير الإنتخابات، يفترض في الشارع الإسرائيلي ان يلتقط اللحظة ويدافع عن أمنه، وبالتالي النزول للشارع حتى تسقط حكومة المتاجرين بالحرب والإستيطان، والدعوة لحكومة تعمل لبناء ركائز السلام.