فتح ومؤتمرها

د.عاطف أبو سيف
حجم الخط

مع فجر يوم غدٍ الثلاثاء التاسع والعشرين من تشرين الثاني يصبح مؤتمر "فتح" السابع حقيقة تمت، ويصبح التداول حول ما بعد المؤتمر جزءاً من نقاش عام لابد أن يطال مجمل نواحي السياسة الفلسطينية لما لـ "فتح" من قيمة وثقل وتأثير في المشهد السياسي المحلي والإقليمي.
ومع عقد أولى جلسات المؤتمر ينتهي سجال طويل ومرير راهن فيه كثيرون على عجز فتح عن عقد مؤتمرها السابع الذي كان يجب أن يعقد قبل ذلك بسنتين وأكثر، لكنه تأخر بسبب الظروف القاهرة التي تعيشها فلسطين ويعيشها الإقليم المحيط.
لكن فتح التي نجحت في إشعال فتيل الثورة في زمن الردة والهزيمة العربية، ونجحت في بعث الفينيق الفلسطيني من الرماد، نجحت أيضاً في جعل ما كان يتمنى البعض أن يراه مستحيلاً، حقيقة محققة.
ومع وصول الغالبية العظمى من أعضاء فتح وممثلي أطرها التنظيمية المختلفة في قطاع غزة وفي الساحات الخارجية إلى رام الله للمشاركة في فعاليات المؤتمر، فإن فكرة أن غزة ستحرم من المشاركة وأنها تشارك عبر الهاتف كما حدث في المؤتمر السادس السابق وان القوى الإقليمية ستعيق مغادرة ممثلي فتح في الخارج من الوصول إلى أرض الوطن، بات جزءاً من أقاويل الماضي، وإن رغب البعض أن يعيد التاريخ إلى الوراء وتتحقق مثل تلك الكوابيس. فـ "لا مؤتمر بلا غزة" لم يكن مجرد شعار إذ إن الكثير من أعضاء فتح نجحوا في الخروج من القطاع ووصلوا إلى الضفة الغربية، ربما باستثناء بعض الإخوة الذين يجب مواصلة الجهود من أجل إحضارهم حتى يمارسوا حقهم في تمثيل أطرهم والدفاع عن مصالحها والمساهمة في أهم حدث فتحاوي داخلي.
وربما وما أن يكون القارئ ينتهي من قراءة هذا المقال حتى تكون البقية الباقية منهم في طريقهم إلى رام الله.
ما أرمي إليه هنا أن ثمة جدية عالية تعاملت بها قيادة فتح مع ملف حضور أبناء فتح من القطاع ومن الخارج، وأن شعار "لا مؤتمر بلا غزة" لم يكن للمزاودة كما كان يرغب البعض أن يكون الأمر.
ليس لأن الأمر يتعلق بالنقاش والسجال والخلاف والمناكفات بل لأن حقيقة الأمر أن جوهر الفكرة الفتحاوية قائمة على وحدة الحال الوطنية وعلى تفاعل الكل الفتحاوي ومشاركته في صناعة القرار.
في قلب كل ذلك فإن غزة التي شهدت انبعاث الفكرة الفتحاوية وتأسيس أولى خلاياها لم تكن شعاراً يرفع وكلمة تقال من أجل كسب الوقت ولا من أجل استدرار العطف. سيشكل حضور غزة في المؤتمر شهادة حقيقية على الفكرة الفتحاوية وتكاملها.
وربما أن العمل الجاد على إحضار كل أعضاء فتح في غزة سيكون دليلاً على ذلك، وفتح لم تكن يوماً بحاجة لدليل في ذلك.
قد يتغيب البعض قسراً ولكن مؤتمر فتح صار أمراً محققاً رغم كل الجراح والآلام التي لابد من الشعور بها لغياب البعض، حتى من أولئك الذين لم يحالفهم الحظ بأن يكونوا أعضاء في المؤتمر.
قد يتخيل المرء أن كل الشعب الفلسطيني قد يرغب بأن يكون عضواً في مؤتمر فتح لأن فتح هي الخيمة والعامود وهي البيت وسماء الوطن، ولكن الأهم أن ثمة آلاف الفتحاويين ممن قدموا ومازالوا يقدمون لفلسطين ولفتح لكنهم لم يجدوا فرصة لأن يحضروا مؤتمر فتح. لكن من يحضر يمثل الجميع.
الأمر المرتبط بذلك أن حضور غزة في مؤتمر فتح يجب أن لا يكون مجرد حضور للمشاركة.
فمن جهة ثمة حاجة لوجود حضور حقيقي لفتح في أطر الحركة العليا خاصة لجنتها المركزية ومجلسها الثوري بما يليق بحجم فتح في غزة التي خرجت على بكرة أبيها خلف فتح في انطلاقتها الثامنة والأربعين، وبما يليق بالتحديات التي تواجهها غزة والتي تتطلب من فتح العمل على مواجهتها في السياق الوطني وفي السياق العام.
إلى جانب ذلك فإن ثمة حاجة لأن تكون غزة حاضرة في برامج فتح ومخرجات مؤتمرها.
على فتح أن تجيب عن أسئلة غاية في التعقيد تتعلق بغزة وبعلاقتها بغزة وكيف يمكن لها أن تتعامل مع الوضع في قطاع غزة، وكيف تعمل حقاً على تحقيق الوحدة الوطنية واستعادة اللحمة بين الجزأين المتاحين لنا من الجغرافيا - الضفة الغربية وقطاع غزة.
وربما أن ثمة أسئلة ليست أقل تعقيداً ترتبط بالعاصمة المقدسة والخالدة وكيفية التعامل مع سياسات الاحتلال والتهويد هناك وتمتين صمود أهلها، وبالشتات وكيف يمكن للتنظيم أن يعيد تفعيل مشاركته في حياة الناس في مخيمات الشتات وفي التجمعات الفلسطينية في الخارج.
فتح بحاجة لأن تتذكر أن قرابة نصف الشعب الفلسطيني يعيش في الشتات مقهوراً.
عليها أن تجمع بين الحاجة للوجود على الجغرافيا وبين التواجد القهري خارجها.
تلك الأسئلة أيضاً ترتبط بالحاجة للجمع بين مهام التحرير ومهمة البناء بمعنى الجمع بين متناقضات يمكن أن تتصالح إذا أعملنا الكثير من التدبير حتى لا تنحرف البوصلة.
فتح قادرة وتستطيع لكنها بحاجة لرفع الأسئلة حتى تتمكن من تثبيت الإجابة، وقتها يمكن لمؤتمر فتح أن يكون أكثر من مجرد تجمع انتخابي بل لقاء على تطوير برامج ورؤى.
ربما من المحقق أن نبدأ الحديث بما بعد مؤتمر فتح بعد قرابة سنتين من النقاش حول عقد المؤتمر.
وبذلك تثبت فتح أنها رغم كل ما قد يقال عن مشاكلها وخلافاتها وربما أزمات بنائها بجانب مجمل الأزمات التي تعج بها الساحة الداخلية والمحيط الإقليمي، قادرة دائماً على الوقوف على ساقيها ومواصلة التحديق في قلب الظلام بحثاً عن النور.
إنه النور ذاته الذي انبعث من بيان الانطلاقة قبل قرابة ثلاثة وخمسين عاماً وأنهى سنوات من التبعية وعدم وضوح الرؤية.
شكراً لـ "فتح" أنها تثبت لنا أنها قادرة رغم كل الجراح وانها عازمة رغم كل العقبات وانها تبصر الطريق رغم حلكة الليل.