«الجيش الحر» يتلاشى: قسم خاضع لتركيا وآخر خاضع للأردن

الجيش-السوري-الحر
حجم الخط

يعيش مؤسس الجيش الحر، العقيد رياض الأسعد، في مدينة انطاكيا جنوب شرق تركيا. وهو يتلقى التقارير حول ما يحدث في الميدان. يوجد لديه اصدقاء كثيرون يأتون لزيارته. وهو يشارك في مؤتمرات تنسيق بادارة الحكومة التركية مع المعارضة السورية حول شروط وظروف حياة اللاجئين السوريين. وفي هذه الأيام يوجد لديه الكثير مما يفعله. وهو عمليا لا يحارب منذ خمس سنوات. في العام 2013 كانت هناك محاولة لاغتياله، لكنه نجا منها وفقد ساقه. بدا الاسعد يائسا ليس فقط بسبب الحرب ضد الرئيس السوري، بشار الاسد، بل ايضا بسبب الصراعات الداخلية العنيفة بين تيارات الجيش الحر، الذي شكله في 9 تموز 2011.
"سُرقت الثورة منا على أيدي المعارضة التي حرفتها في اتجاهات غير صحيحة"، قال في مقابلة مع الموقع المعارض "كلنا شركاء"، قبل بضعة اشهر. وقد اندلع، مؤخراً، صراع عنيف بين تيارين في الجيش الحر من اجل السيطرة على معبر السلام بين تركيا وسورية في مدينة اعزاز السورية، لا سيما من اجل جباية الضرائب على البضائع التي تصل من تركيا الى سورية والتصاريح التي تُعطى للسكان السوريين من اجل العبور الى تركيا. وقبل ذلك بفترة قصيرة تقاتل تياران آخران من اجل السيطرة على منطقة الغوطة الشرقية على مشارف دمشق، حيث قتل مئات المقاتلين من الطرفين.
   الجيش الحر، الذي اعتمد في بداية طريقه على مجموعة من الضباط الذين هربوا من الجيش السوري ونجحوا في تجنيد آلاف الجنود والمواطنين، كان بمثابة الأمل الكبير للمتمردين الذين اعتقدوا أن هذه المنظمة، اذا تم تسليحها وتدريبها بشكل جيد من قبل الدول العربية والغربية، يمكنها اسقاط جيش الاسد. ولكن الآن، ومنذ ثلاث سنوات، ليس فقط تلاشى الأمل، بل تحول الجيش الحر ايضا الى منظمة مختلفة كليا. فهذه منظمة تتشكل من ستة مليشيات كبيرة، منظمة في كتائب ووحدات تعمل في عدد من المناطق السورية. ولكن بدون قيادة مركزية. وعمليا كل مليشيا تعمل بشكل مستقل وبدون تنسيق تقريبا مع المليشيات الاخرى التي تنتمي للمنظمة.
ينقسم نشاط هذه المليشيات بين المنطقة الشمالية والجنوبية في سورية. في الجزء الجنوبي تخضع لغرفة العمليات الأردنية – الأميركية الموجودة في الأردن. أما في الشمال فتقوم بالتنسيق مع غرفة العمليات المشتركة بينها وبين تركيا. تتركز مهماتها الاساسية في حراسة الحدود بين الاردن وتركيا وسورية. التنسيق مفهوم غامض، فالمليشيات تخضع بشكل فعلي لاستراتيجية الاردن في الجنوب وتركيا في الشمال، حيث تطلب منهم الاردن مثلا التواجد المكثف على طول الحدود من اجل منع عبور اللاجئين، وعندما تُظهر هذه المليشيات عدم رضاها من هذه المهمات تقوم الاردن بالضغط عليها، مثل اغلاق الحدود في وجه المرضى والمصابين، وتمنع التمويل الذي يصل في معظمه من الصندوق الأميركي.
على هذه الخلفية قررت عدة فرق التمرد على القادة. ولكن بضغط من الاردن والولايات المتحدة تمت اعادة القادة المعزولين الى مواقعهم. وفي الآونة الاخيرة وزعت في جنوب سورية فتاوى ومنشورات تفيد بأن "الانضمام الى المليشيات التي لا تحارب ضد الأسد ممنوع". هذه الفتاوى الدينية موجهة ضد محاربي الجيش الحر الذين يقدمون خدمات لدول اجنبية، وتخلوا عن الصراع الرئيس ضد الاسد.
وعلى الحدود الشمالية لسورية تم تجنيد الجيش الحر من اجل صراع مزدوج، ضد "داعش" وضد الاكراد في سورية ايضا. عندما بدأت عملية "درع الفرات" التركية، واجتازت القوات التركية باتجاه مدينة جرابلس السورية على حدود تركيا، جنود الجيش الحر هم الذين احتلوا المدينة، وكانت القوات التركية تساعدهم من الجو وتقصف قوات "داعش" بالراجمات عن بُعد. ورغم مواقف تركيا المتصلبة من الاسد، فقد طلبت من وحدات الجيش الحر الكف عن استهداف الاسد والتركيز في الحرب ضد الاكراد و"داعش". ولا يوجد خيار أمام الجيش الحر الذي تموله تركيا. صحيح أن عدداً من الفرق قد انسحب وانضم الى مليشيات اخرى، لا سيما إسلامية، إلا أن الجسم الاساسي يضطر الى الخضوع للمطالب التركية كي يستمر في الحصول على الدعم المالي والعسكري. في هذه الاثناء مثلا، توسع تركيا المعركة العسكرية في شمال سورية، وهي تنوي السيطرة على مدينة الباب التي تقع على مفترق طرق استراتيجي بين مدينة منجب التي احتلتها القوات الكردية والمتمردون السوريون وبين مدينة حلب. القوات البرية  الاساسية التي تحارب من اجل احتلال الباب هي مقاتلو المليشيات الشمالية في الجيش الحر، وهم ايضا الذين يسيطرون على اغلبية المناطق التي احتلتها تركيا.
الولايات المتحدة، التي كانت أول من احتضن الجيش الحر، ابتعدت عنه. والمساعدات الأميركية المالية والعسكرية أخذت في التناقص. ويقول متحدثو الجيش الحر اليوم إنه لا يوجد أي تواصل تقريبا مع الأميركيين. وقد قال أحد المتحدثين مؤخرا في مقابلة مع موقع المعارضة، إن تهديد ترامب بتقليص الدعم للمتمردين لا يخيف لأنه "فعليا لا توجد مساعدات". وفي الوقت ذاته تتعاون كتائب الجيش الحر مع "جبهة فتح الشام"، وهي جبهة النصرة سابقا، في شرق مدينة حلب المحاصرة. ومن اجل الحاق الضرر بهذه القوة المشتركة اقترح الرئيس الاسد على مقاتلي الجيش الحر أن يتركوا المدينة والسماح لمئات آلاف المدنيين المحاصرين بالهرب، وترك الساحة من اجل الحرب بين الجيش السوري وبين المتمردين الاسلاميين. رفضت قوات الجيش الحر في الوقت الحالي هذا الاقتراح لأنها لا تريد أن تظهر كمن تخلت عن الحرب ضد الأسد. وايضا لأن قوات "جبهة فتح الشام" مسلحة بشكل جيد ولديها وفرة في التمويل، وهي بمثابة شريكة عسكرية واقتصادية مهمة للجيش الحر. إن العمل العسكري في حلب وفي جنوب سورية يتم من قبل المليشيات الاسلامية التي ليست جزءاً من الجيش الحر.
الانقسامات الداخلية في الجيش الحر تعطي روسيا رافعة مهمة من اجل التدخل في مناطق القتال. فاضافة الى القصف الكثيف من الجو تقوم روسيا ايضا بالوساطة والمصالحة بين قوات النظام وبين المتمردين، وهي تقوم بتشغيل "مركز المصالحة" في قاعدة حميميم في اللاذقية. وقد نجحت حسب التقارير في التوصل الى أكثر من 970 وقفا لاطلاق النار بشكل ميداني في القرى والمدن السورية.
المبدأ بسيط، مقابل وقف اطلاق النار ضد قوات النظام، تحصل هذه القرى على المساعدات الاقتصادية التي تشمل الوجبات الساخنة والمواد الاساسية وفرصة للخروج من القرى والعمل في الاراضي. وتسعى روسيا الى توسيع وقف إطلاق النار من اجل التوصل الى وقف شامل لاطلاق النار يمهد الطريق أمام استئناف المفاوضات السياسية.
تحظى هذه المجالس بمساعدة منظمات خيرية، وتمويل المليشيات التي تسيطر على هذه المناطق، سواء كقوة مستقلة أو كقوة تعمل تحت رعاية روسيا. وهكذا يسيطر الاسد على المزيد من المناطق ويمنع تسلل قوات "داعش" أو "جبهة فتح الشام". وهكذا ايضا تستطيع القوات السورية والروسية التركيز على المعركة الاساسية على مدينة حلب، لأن السيطرة عليها هي التي ستحسم هذه الحرب.