تدور منذ خمس سنوات رحى حرب في سورية. حرب الكل ضد الكل. المواطنون يقاتلون ضد الجيش، جيش الاسد يقاتل ضدهم، جيوش أجنبية تقاتل ضد المواطنين، وهؤلاء ضد أولئك أيضا. الدولة السورية، النتاج المصطنع لاتفاقات سايكس – بيكو قبل مئة سنة، تتفكك.
لسنوات طويلة كانت سورية عدواً خطيراً لإسرائيل، ورئيساها الأخيران، الأسد الأب والابن، كانا من أكثر كارهينا مرارة. فعندما اندلعت الانتفاضة في العام 2011 توقعت اسرائيل سقوط الاسد سريعاً. فلم يتردد ايهود باراك في أن القول إن «هذه مسألة بضعة أسابيع». بداية رأينا في ميليشيات الثوار ضده عاملا ايجابيا، بمثابة «عدو عدونا». وسرعان ما تعلمنا بأن هذه كوليرا وذاك طاعون. وعندما انضمت الى الحرب ايضا ايران، «حزب الله»، «داعش»، روسيا ومئة ميليشيا قبلية خاصة، تمنينا النجاح للجميع. وجلسنا على الجدار.
اكتفت اسرائيل في السنوات الاخيرة بتعريف خطوطها الحمر: الا يهاجمونا والا ينقلوا سلاحا استراتيجيا الى «حزب الله». وبالفعل، في كل مرة انحرفت فيه قذيفة من سورية الى هضبة الجولان، كنا نريد بالنار. وفي كل مرة علمت فيها إيران لنقل وسائل قتالية متطورة الى «حزب الله»، ادعت مصادر أجنبية بان إسرائيل ابادت قوافل السلاح او المخازن التي جمع فيها. وباستثناء ذلك لم نتدخل. أقمنا مستشفى عسكريا قرب الحدود لمعالجة المصابين الذين يصلون الى الجدار. ويعمل متطوعون إسرائيليون على تقديم مساعدة انسانية حتى داخل سورية، ولكن بذلك تلخصت تطلعاتنا السياسية في اراضي الدولة التي كانت تسمى ذات مرة سورية. نحن لا نتدخل.
في هذا الاسبوع هاجم مخربو «داعش» كمينا لـ «غولاني» قرب الحدود في هضبة الجولان. فصفي المخربون، وانصرف اهتمامنا للحظة عن الحرائق الى الاشتعال في سورية. نصف مليون قتيل. 4 ملايين لاجئ، دولة متفككة – وتتصرف اسرائيل وكأن هذه حرب أهلية في كولومبيا. وتتلخص مصالحنا ظاهرا بتكتيك عمومي او بسلاح اعدائنا. ليس في الجغرافيا السياسية للشرق الاوسط.
بعد خمسين سنة من حرب «الايام الستة» وتحرير الجولان توجد لإسرائيل فرصة تاريخية، ربما لمرة واحدة، لاعادة تصميم حدودها ونيل الاعتراف بضم الجولان. ولكن مثل هذا الانجاز لن يأتي من خلال الجلوس على الجدار والانتظار الى أن يقتل كل السوريون في الحرب او يهربوا من بلادهم. فالتدخل الروسي في الحرب وعدم مبالاة الولايات المتحدة غير قواعد اللعب. واذا لم نكن نرغب في أن نرى الأسد معززا ومتسلحا من جديد، على اسرائيل أن تتخذ قرارا بان تدعم – بالمال، بالسلاح، بالمعلومات الاستخبارية – تلك الجهات التي تبدي في سورية استعدادا للتوقيع على اعتراف بالوضع الناشيء في الجولان بعد حرب «الايام الستة».
لا أقترح تدخلا عسكرياً برياً في سورية كي يحكمها معارضو الاسد؛ فمثل هذا جربناه في لبنان في العام 1982 وفشلنا لان سورية احبطت الخطوة، ولكن اذا لم نتدخل في الحرب لن نتمكن من أن نكون جزءا من الطاولة الدولية التي ستقرر كيف ستبدو سورية في اليوم الذي تنتهي فيه الحرب. تماما مثلما كانت الجهات فقط التي كانت تعمل الى جانب المنتصر في الحرب العالمية الاولى جزءا من المؤتمرات الدولية التي وزعت الغنيمة وقررت خريطة اوروبا. على اسرائيل أن تحدد أهدافنا الاستراتيجية، خريطة مصالحنا؛ وان تعلن عنها وتدعم من يكون مستعدا (علنا، أو معقولا أكثر – سرا) والالتزام بها. اما الجلوس على الجدار مكتوفي الايدي فليس سياسة.