رحل آخر عملاقة القرن العشرين على ثرى كوبا الإشتراكية، التي حررها وقاد نضالها في وجه كل الطغاة وخاصة الولايات المتحدة الأميركية . حط فيدل كاسترو رحاله في ال25 من نوفمبر الحالي بعد تسعين عاما من الكفاح المتواصل في الدفاع عن كوبا وشعبها وتطورها. لكن أبو الثورة الكوبية العظيمة يناير 1959، وربانها ومنارة شعوب اميركا اللاتينية والعالم الثالث باق ما بقي التاريخ شامخا يدون في صفحاته قصص وامجاد الرواد والقادة العظام أمثاله. لإنه وأقرانه لا يمكن إلآ ان يكونوا في سجلات التاريخ الاولى والمضيئة.
فيدل طالب الحقوق، المنتمي لعائلة ثرية، الذي كان حلمه في البداية ان يكون عضوا في البرلمان. انحرفت بوصلة كفاحه الوطني نتيجة التطورات السياسية والاقتصادية في كوبا، فتغيرت توجهاته ورؤاه، مما حتم عليه قيادة الثورة مع رفاقه على نظام باتيستا في مطلع ديسمبر 1956، وتمكن من الإنتصار في الثامن من يناير 1959. وكان من بين رفاقه الابطال، الذين دون التاريخ الكوبي والأميركي اللاتيني والعالم إسماؤهم باحرف من نار ونور تشي جيفارا وراؤول شقيقه، الرئيس الكوبي الحالي، وغيرهم من القادة الرواد، الذين إستلهموا تجربة المناضل خوسيه مارتي، الذي أستشهد في نهاية القرن التاسع عشر، وهو يكافح من اجل تحرر كوبا من الإستعمار الأسباني. والأباء المؤسسين للتحرر الوطني في أميركا الجنوبية: سيمون بوليفار (الفنزويلي) وخوسية دي سان مارتين (الأرجنتيني).
فيدل كاسترو تمكن من النجاة من 600 محاولة إغتيال من اميركا وعملائها، ولم تهن عزيمته ولا إرادته، فواصل النضال لبناء كوبا الحديثة والمستقلة والاشتراكية. وكان كاسترو نسيج ذاته، رفض ان يكون نسخة كربونية عن الاتحاد السوفييتي او الصين الشعبية. وحدد ملامح الثورة الاشتراكية في كوبا وفق معايير تتناسب وطبيعة المجتمعات الأميركية الجنوبية، غير ان علاقاته بالدول الاشتراكية كانت عميقة، ولم تنفصم عرى تلك العلاقات إلآ مع إنهيار الاتحاد السوفييتي، ولكنها بقيت مع الصين.
رغم الحصار الأميركي والغربي عموما صمدت كوبا في وجه الطغيان الرأسمالي. ولم تستسلم، وشقت طريق البناء والتحرر، وأمنت التعليم المجاني والالزامي لابناء كوبا، ومنحت الشعب التأمين الصحي الكامل، وبنت القاعدة المادية للصناعة والزراعة الكوبية. أضف إلى ان كوبا كانت منارة لإميركا اللاتينية ولشعوب العالم الثالث في النضال التحرري. وكانت حاضنة الثورات، وملمهة القيادات الثورية في نيكاراغوا وفنزويلا وهندوراس وتشيلي والارجنتين وغيرها من الدول. وخطى كل من اورتيغا وشافيز العظيم تجربته الخاصة على هدى تجربة كاسترو والثورة الكوبية.
كوبا كاسترو كانت منذ البدايات مع الثورة الفلسطينية ، وهي من اول دول اميركا اللاتينية، التي سحبت إعترافها بإسرائيل، وساندت الكفاح الوطني التحرري، واستقبلت الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات وقيادات الشعب الفلسطيني الاخرى أمثال جورج حبش ونايف حواتمة وبشير البرغوثي وغيرهم من المناضلين. وقدمت كوبا المئات والالاف من المنح الدراسية في مختلف مجالات العلم والمعرفة لابناء الشعب الفلسطيني، وفتحت المؤسسات الكوبية النقابية والاقتصادية والصناعية والزراعية منابرها وساحاتها للمعنيين من ذوي الاختصاصات الفلسطينيين.
ولعلاقات الشراكة الكفاحية الفلسطينية الكوبية جذور عميقة في حقل الصداقة القائمة على الدعم غير المشروط من قبل كوبا فيدل وراؤول وغيرهم للشعب العربي الفلسطيني. وهذا يدلل على عمق الاواصر المشتركة بين القيادتين والشعبين الصديقين الكوبي والفلسطيني.
لكوبا وفيدل كاسترو مكانة عظيمة في نفوس أبناء الشعب العربي الفلسطيني. لا يمكن لإي فلسطيني ان ينساها او يتجاهلها او يقفز عنها. كوبا كانت ومازالت صديقة وفية للشعب الفلسطيني. والفضل في ذلك لقيادة فيدل واقرانه من القيادات الرائدة للثورة الكوبية.
غاب جسد الرجل العظيم كاسترو، لكنه باق في السجل الذهبي للشعب الكوبي وشعوب اميركا اللاتينية والعالم ككل. ولا يمكن للبشرية ان تنسى يوما عظمة كاسترو المناضل الأممي الشجاع والنبيل.