غارتان على دمشق: تفهم روسي لإسرائيل؟

1-109
حجم الخط

بعدما أكّدت سوريا تعرّض مواقع قرب دمشق لغارات صاروخية إسرائيلية فجر أمس، تزايدت التقديرات بأن تطوّراً ما في الموقف الإسرائيلي يحدث، بعدما تجنّبت قواتها مثل هذه الغارات مؤخراً، جرّاء الوجود العسكري الروسي المكثّف.
وفيما أشار معلّق عسكري إسرائيلي إلى أن مثل هذه الهجمات على سوريا في هذا الوقت بالذات تعتبر «خطوة استثنائية»، أشار معلّق آخر إلى أن دافع الغارات هو عودة سوريا لإنتاج صواريخ لمصلحة «حزب الله».
وكانت وسائل إعلام عربية قد أشارت، أمس، إلى إغارة سلاح الجو الإسرائيلي على قافلة ومخازن أسلحة تابعة لـ «حزب الله» في منطقة الصبورة بريف دمشق الغربي. وجاء هذا الإعلام مفاجئاً بعض الشيء بسبب ما تردد في الآونة الأخيرة عن دعم روسي جدّي لمنظومة الدفاع الجوّي السورية والتي أطلقت قبل أشهر قليلة صواريخها باتجاه طائرات إسرائيلية.
وبالرغم من أن إسرائيل تجنّبت في الماضي، إلّا في ما ندر من تلميحات، الاعتراف بأنها تنفّذ غارات في سوريا، إلّا أنه كان معلوماً للجميع أنها من ينفّذ هذه الغارات.
ومع ذلك، ونظراً للتطورات على الساحة السورية، خصوصاً لجهة تكثيف التدخّل الروسي، تقلّصت الغارات الإسرائيلية كثيراً في العام الأخير.
وكان لافتاً قبل أيام، تفاخر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتوجيه قوّاته ضربات لمواقع تابعة لـ«جيش خالد بن الوليد» الذي يُدين بالولاء لتنظيم «داعش».
وأشار المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، إلى أن التغيير في الموقف الإسرائيلي الذي قاد إلى تراجع وتيرة الغارات، نبع أساساً من نشر الجيش الروسي سربين من الطائرات في منطقة اللاذقية ـ طرطوس وتكثيفه لمنظومة الرادارات والدفاعات الجوية في عموم سوريا.
وقال هارئيل إن هذا التدخّل الروسي المكثّف أسهم كثيراً في وقف استنزاف قوات النظام السوري. وبالرغم من خروج نتنياهو على عجل إلى موسكو، فور نشر السربين الروسيين، للقاء الرئيس فلاديمير بوتين وتنسيق المواقف بغية تقليل الاحتكاكات والمخاطر، إلا أن ذلك لم يغيّر من واقع الحال شيئاً، فمنظومة الدفاع الجوي السوري، بالتعاون والتنسيق مع القوات الروسية، صارت أكثر مرونة. وقد تشجعت سوريا على التصدي للطائرات الإسرائيلية بعدما ثبت أن مجرد الوجود الروسي في سوريا يضع قيوداً على حرية العمل الإسرائيلي.
وخلص هارئيل إلى أن الغارات الإسرائيلية على سوريا تشهد على وجود حاجة عملياتية طارئة، مذكّراً بكلام نتنياهو أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول استمرار إسرائيل في محاولتها منع وصول أسلحة متطورة من سوريا إلى «حزب الله».
ومع ذلك، هناك قناعة في إسرائيل بأن «حزب الله» أفلح في الحصول على صواريخ مضادة للطائرات متطوّرة من طراز «سام 22» وكذلك صواريخ «ياخونت» أرض بحر. ولكن ما يقلق إسرائيل أيضا أن «حزب الله» حصل مؤخراً على صواريخ أرض - أرض متوسطة المدى ودقيقة الإصابة. وتساءل هارئيل: هل بعد هذا يمكن القول إن روسيا تتفهّم المتطلّبات العاجلة لإسرائيل، وأنها مستعدّة لغضّ الطرف عن غاراتٍ كهذه، شرط أن تكون محدودة؟
وأوضح هارئيل أن التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا أمر غير مبشّر في نظر إسرائيل. وكتب أنه «رغم أن نتنياهو لم يقل ذلك صراحة، فإن خمس سنوات ونصف سنة من الحرب الأهلية في سوريا كانت تطوراً استراتيجياً جيداً بالنسبة لإسرائيل، فالجيش السوري انهار، وفقد جزءاً كبيراً من قدراته العملياتية التي بُنيت في الماضي لمواجهة إسرائيل. والحرب تخلق استنزافاً وشللاً متبادلاً بين معسكرين معاديين لإسرائيل: إيران سوريا و «حزب الله» من جهة، والمنظمات السنّية المتطرفة من الجهة الأخرى. وكلاهما غير متفرّغ حالياً للعمل بجدية ضد الجيش الإسرائيلي».
ولهذا السبب فإن «انتصاراً بارزاً للمحور المؤيّد للأسد سيشكّل نذيراً سيئاً لإسرائيل. وهذا يتعلّق أيضاً بهضبة الجولان، حيث طرد المتمردون هناك في السنوات الأخيرة الجيش السوري من معظم المنطقة المحاذية للحدود. وانتصارات أخرى للأسد في الجولان أيضاً أو تسوية مؤقتة لوقف النار قد تسمح للنظام، وتبعاً لذلك لإيران و «حزب الله»، بإعادة السيطرة قرب الحدود في الهضبة. وهذا سيناريو مقلق لرئيس الحكومة، حتى في الأيام التي يتعذر فيها أن يخفي سعادته جراء فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية».
أمّا المعلّق العسكري لموقع «يديعوت»، رون بن يشاي، فكتب أن الدلائل تشير إلى أن الغارات الإسرائيلية استهدفت موقعين غرب دمشق، أحدهما في مخازن ذخيرة «اللواء 38» في الفرقة الرابعة، والثاني قافلة على طريق بيروت - دمشق. وأشار إلى أن استهداف القافلة على الطريق السريع يشهد على أن الشحنة كانت كبيرة، ربما صواريخ أرض - أرض كبيرة.
وقال إن لدى «حزب الله» ترسانة كبيرة تبلغ 130 ألف صاروخ لأمدية قصيرة ومتوسطة وبعيدة، لكن أغلبها ليس دقيق الإصابة، ما يجعل «حزب الله» بحاجة لمثل هذه الصواريخ الدقيقة.
ولاحظ بن يشاي أن إسرائيل قللت في العامين الماضيين من غاراتها على قوافل لـ «حزب الله» بسبب أن سوريا لم ترسل في هذين العامين قوافل تحمل صواريخ نوعية لـ «حزب الله» وذلك لأن مصنع إنتاج هذه الصواريخ في السفيرة كان بيد «داعش».
وقد استعاد الجيش السوري السيطرة على هذه المنطقة مؤخراً، ما دفع إسرائيل للاعتقاد بعودة سوريا لإنتاج هذه الصواريخ، وبالتالي إرسال كميات منها لـ «حزب الله». ومع ذلك، لم يستبعد بن يشاي أن يكون الإيرانيون هم من أرسلوا القافلة لـ «حزب الله».
على كل حال، ورغم الإعلان السوري الرسمي عن الغارات التي يقال إن الطائرات الإسرائيلية أطلقت صواريخها من الأجواء اللبنانية، ترفض إسرائيل تأكيد ذلك أو نفيها. عموماً يرى بن يشاي أن الغارات هي نوع من إدارة إسرائيل لمعركة ضد تعاظم قوة «حزب الله»، ولكن بسرية.
ونقلت وكالة «سانا» السورية للأنباء عن مصدر عسكري سوري قوله إن «طيران العدو الإسرائيلي أقدم بعد فجر اليوم (أمس) على الاعتداء على منطقة الصبورة بريف دمشق الغربي بصاروخين أطلقهما من المجال الجوي اللبناني»، مُشيراً إلى أن «الاعتداء لم يسفر عن وقوع إصابات».
وأضاف المصدر أن الاعتداء الاسرائيلي يأتي كـ «محاولة يائسة من كيان الاحتلال لصرف الأنظار عن نجاحات الجيش السوري ورفع معنويات التنظيمات الإرهابية التكفيرية المنهارة» بعد تكبّدها خسائر فادحة في العديد من المناطق، ولا سيما في الريف الغربي لدمشق.