هكذا سُمّيت «إسرائيل» بين السياسي والتوراتي

4e73eddb-6b03-414d-bb55-97cd3b70ec4d
حجم الخط

كتب حلمي موسى

 

يؤمن كثيرون منا بنظرية المؤامرة في كل ما يتعلق بإسرائيل، سواء نتيجة شكوك باليهود أنفسهم أو شكوك بالغرب عموماً. وكثيراً ما جرى تفسير كل إخفاق لدينا، أو نجاح لهم، بوجـود مؤامرة أو خيانة، من دون دراسة الأسباب الحقيقية والوقوف عليها. وقاد ذلك، مراراً، إلى حالة من الاطمئنان والتسليم، لأن عاملاً خفياً يعمل على الدوام من أجل أن نخسر نحن وأن يربحوا هم.
لكن معطيات كثيرة، بعضها قديم، تظهر أن الحال لم تكن على الدوام هكذا. وأن الحركة الصهيونية، التي تطلعت لإنشاء مشروعها على حسابنا، كانت أقدر من حركاتنا أو قادتنا على قراءة الواقع الدولي والإقليمي والتعامل معه. واستفادت أساساً من كونها حركة قامت في الغرب الأوروبي، وكانت جزءاً أساسياً من اندفاعته الاستعمارية. ولذلك اعتمدت أساليب في التفكير والعمل تختلف كثيراً عن الأساليب التي كان يتم العمل بها.
ومن خلال قراءات تتكرر، أثير مراراً، تساؤل عن سبب اختيار الحركة الصهيونية اسم «إسرائيل» لدولتها الوليدة. كما أثيرت تساؤلات عن موعد إقرار هذا الاسم، ومن الذي طرح الفكرة واتخذ القرار. وكان مدهشاً بعض الشيء العلم أن القرار بتسمية «الدولة الجديدة» بهذا الاسم لم يتخذ إلا قبل أيام قليلة من إعلان «الدولة العبرية»، وأن اسم «إسرائيل» لم يستخدم البتة في الأدبيات الصهيونية، إلا على ألسنة أو أقلام قلة، وبشكل غير رسمي.
وبرغم أن النقاش حول هذه الأسئلة قائم، منذ العام 1948، فإنه يتكرر بين الحين والآخر، بسبب الجهل بالإجابات حتى داخل إسرائيل نفسها أو بسبب الرغبة في التذكير. وهكذا، ولمناسبة الاحتفالات بالذكرى السابعة والستين لإعلان «الدولة العبرية» كتب إيلون جلعاد في «هآرتس»، تحت عنوان «هكذا نالت دولة إسرائيل اسمها»، محاولاً تفسير ذلك، والبحث عن أسبابه، وهو يشير إلى أنه «كحال كيانات سياسية أخرى (مثلا يهودا)، وفق التاناخ، أسميت مملكة إسرائيل باسم أب الأمة الأول. لكن وفق التوراة، لم يكن الأب الأول يسمى إسرائيل بل يعقوب. ولذلك يعرض الروائي التوراتي في سفر التكوين قصة بالغة الغرابة للتسمية».
وتفيد القصة أنه ذات ليلة ظهر «شخص» غامض، وتصارع مع يعقوب، وبعد انتهاء المشاجرة يقول الرب «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». (سفر التكوين 35: 10). ويضيف جلعاد أنه «يصعب تقبل هذه القصة التوراتية على أنها حقيقة تاريخية، لأسباب بينها أن اللغة العبرية آنذاك، وكباقي اللغات السامية في العالم القديم، لا تشير الأفعال الإلهية إلى موضوع الاسم، بل للإله ذاته. أي أن الإله (ملك الآلهة عند الكنعانيين) ينبغي أن يكون فاعل الفعل وليس المفعول به كما يرى التفسير الديني الشعبي لهذه الآية».
وهناك تفسيرات مختلفة لمعنى الفعل «يسر» في اسم «يسرائيل»: فهناك من ربطه بالجذر «سرر» أي بمعنى «الله المسيطر»، فيما ربطه آخرون بالجذر «يسر» وفسروه على أنه يعني «الله العادل». لكن يبدو أن التفسير الأصوب هو «جاهد»، ولكن ليس أن يعقوب جاهد الله بل الله هو من جاهد. وربما أنهم بتسميتهم «أرضهم» إسرائيل قصد ملوك إسرائيل أن أرضهم هي أرض «الشعب» الذي يجاهد الله من أجله، وهو إيمان موجود في القصص التوراتية التي كان يؤخذ فيها تابوت العهد إلى الحرب ويساعدهم في هزيمة أعدائهم.
ويضيف جلعاد أنه «بعد خراب مملكة إسرائيل في العام 722 قبل الميلاد، هاجر إسرائيليون كثر إلى مملكة يهودا، وحملوا معهم أساطير وكتابات المملكة المدمرة، وجرى دمجها بالإيمانيات اليهودية وشقت طريقها إلى التوراة. وجراء المكتوب في التوراة صار اليهود من كل العصور يسمون أنفسهم باسم إسرائيل، إضافة للاسم الأكثر شيوعا وهو اليهود، وسموا موطنهم التاريخي أرض إسرائيل، فضلا عن تسميات أخرى بينها أرض القداسة. ومع صعود الحركة القومية اليهودية في القرن التاسع عشر - الصهيونية - صارت الدولة الموعودة دولة اليهود، أو الدولة اليهودية، وأسميت الأرض التي أملوا إقامة الدولة عليها أرض إسرائيل».
في كل حال يشير متابعون لمجريات النقاش داخل الحركة الصهيونية الى أنه فقط، في 12 أيار العام 1948، وفي اجتماع لقادة «الإدارة القومية» الصهيونية في تل أبيب، قرر عشرة، هم المشاركون في الاجتماع، وعلى رأسهم ديفيد بن غوريون، الإعلان عن الدولة فور انتهاء الانتداب وإعلان اسمها. وفي الاجتماع المذكور جرت مناقشة اسم الدولة، حيث عرض اسم «يهودا» لكن الاسم رفض بسبب أن «مملكة يهودا» ستكون خارج حدود الدولة، وفق مشروع التقسيم. بعد ذلك جرت مناقشة أسماء من قبيل «صهيون» و «صبار» و «أرض إسرائيل». وفقط بعد مناقشة هذه الأسماء، عرض اسم «إسرائيل فأقر بغالبية سبعة ضد ثلاثة».
واختلف الرواة حول من وقف خلف طرح الاسم في الاجتماع، حيث قال بعضهم إنه بن غوريون نفسه، لكن آخرين قالوا إنه موشي شاريت، الذي كان يرأس الدائرة السياسية في الحركة الصهيونية. ويقول من يرى أن شاريت هو من عرض الاسم، إنه كان من أسمى الدولة اليهودية التي يعمل على إقامتها «دولة إسرائيل» منذ العام 1946، فيما كان بن غوريون يستخدم تعبير «الدولة اليهودية». تجدر الإشارة إلى أن «عراب الصهيونية» زئيف هرتسل أسمى الدولة التي ستنشأ «دولة اليهود» وليس إسرائيل.
وفي كل حال كانت الخلافات بهذا الشأن تظهر وتختفي داخل إسرائيل على مدار العقود الستة والنصف الماضية. وهناك من ينفي أن نقاش الاسم تم فقط قبل أيام قليلة من إعلان الدولة، ويذهب به إلى ما قبل إقرار مشروع التقسيم في تشرين الثاني العام 1947، وأن أكثر من شخص اقترح الاسم في مقالات في الصحف.
واسم «إسرائيل» في التفسير اليهودي هو وقوف الله معهم، وهو ذو طبيعة رمزية جداً لأنه يرمز إلى محاربة كل القدرات. واليهود يرون أنفسهم على أنهم حاربوا أقوى القوى الطبيعية والخارقة ولم يرتدعوا.