حسن سلامة.. سقف السماء

thumbgen (1)
حجم الخط
 
عقب مقالي "جانيت وعماد وعرفات" في آب (أغسطس) الماضي، أرسل لي قارئ، عبر سلسلة أشخاص وأصدقاء، صورة إلكترونية، من ملف يتكون من 252 صفحة من صور الوثائق الأصلية، لملف الاستخبارات البريطانية عن حسن سلامة بين العامين 1941 و1948. ويبدو أنّ هذا الملف صار ضمن الأراشيف الإسرائيلية المتاحة للجمهور، والممكن تصويرها.
يعكس الملف تفاصيل "دراما" كاملة الأركان مليئة بالمغامرات.
 
بحسب الملف، فإن حسن سلامة، من قرية قولة قرب الرملة، كان مع نهاية العام 1938، يقود "عصابة" تتكون من 200 شخص، يتجولون بين رنتيس وقولة وبيت نبالا ونعلين وشقبا.
 
في قيادته للثورة الفلسطينية (1936-1939)، يبدو أنّ سلامة كان لا يهدأ لحظة، وكذلك جيش من المخبرين والشرطة يلاحقونه في فلسطين وخارجها. كان يرسل تعليماته للقرى، ومنها مثلا أنّ مختار إحدى القرى استلم رسالتين منه، تطلب منه دفع مبلغ معين للثوار خلال عشرة أيام، وإلا وجب عليه الحضور لمقابلة شخصية، وأنّ على أهالي القرية الذين يعملون في شركة البوتاس في البحر الميت التوقف عن العمل والعودة للقرية، وعلى العمال من القرية في أحد المحاجر التي ترسل الحجارة لبناء طريق لإحدى المستوطنات، التوقف عن العمل. ويوضح التقرير أنّ العمل توقف فعلا.
 
في شباط (فبراير) 1939، أرسل سلامة من ينفذ اغتيالات في يافا. وأرسل رسالة تفرض ضريبة على أصحاب مزارع البرتقال، مقدارها 250 مليماً لكل دونم.
 
وبحسب الملفات، أصبح سلامة منذ العام 1938، قائداً لمنطقة الرملة؛ وأنّ أعمال مجموعاته شملت تخريب طرق ووسائل الاتصال والمواصلات الخاصة بالجيش، وإطلاق النار على المستوطنات اليهودية؛ وأنّه يصدر إيصالات لمن يدفع أموالا للثورة، وفق نموذج رسمي معد مسبقاً، ويوقع هو وشخصان آخران معه على إيصال الاستلام. كما كان يصدر بيانات سياسية للجمهور الفلسطيني باسمه.
 
في العام 1939، أصبح قائداً لمناطق يافا واللد والرملة، وقائداً للمحكمة الثورية. وبعد ذلك، أعلن البريطانيون مكافأة 200 جنيه فلسطيني لمن يساعد في القبض عليه. وفي منتصف العام ذهب لدمشق. وتوضح التقارير، نقلا عن جواسيس، كيف توافد الثوار في دمشق للسلام عليه.
 
في العام 1940، حصل سلامة على دورة عسكرية في العراق. وهرب العام 1941 من سورية إلى تركيا، كما ذهب في مهمات إلى إيطاليا، وأبعد من تركيا إلى بلغاريا. وبحسب التقارير، عاد وهبط بمظلة من طائرة ألمانية في تشرين الأول (أكتوبر) 1944، في منطقة أريحا.
 
أشار تقرير في شباط (فبراير) 1945 إلى أن سلامة يستغل معرفته المتواضعة بالعبرية، منذ كان يعمل في مستوطنة بتاح تكفا، ولجأ متخفيا في تل أبيب، وأنّه ربما حليق اللحية ويلبس ملابس أوروبية.
 
هناك رسائل مكتوبة بالعربية في الملف، من مخبرين وعملاء. إحداها، رسالة مكتوبة بقلم الرصاص، يوم 30/ 9/ 1945، موقعة باسم "مخبر صادق"، يكتب كيف هرب سلامة من حملة تفتيش في قرية رنتيس، إلى كهف غرب القرية، ثم خرج الساعة السابعة مساء ولبى دعوة عشاء. ويبدو أن العميل يواجه إحراجاً بشأن معلوماته عن سلامة، فكتب أنه "والله، ثم والله، ثم والله موجود في قرية رنتيس"، وأنه نزل لفلسطين من مظلة.  
 
وتشير التقارير لزياراته قرى ومناطق متعددة؛ وادي الجوز، ودورا القرع، ودير الغصون، وغيرها، وأنه في نهاية 1944، كان يستقر في "شرق الأردن" ويعبر بشكل متكرر لفلسطين. ومرة أخرى يشير تقرير إلى كيف اختبأ سلامة وستة من رجاله في كهف قرب نبع "عين سامية" في قرية كفر مالك (شرق رام الله)، بينما "البوليس" البريطاني يبحث في المنطقة.
 
وحتى تكتمل الدراما، يزعم تقرير في العام 1941، أن أرملة قريبة لسلامة، هربت مع رجل أحبها، وتزوجا واستقرا في يافا العام 1936، وأن سلامة قام في العام 1938 بخطف الرجل وقتله، فيما هربت قريبته. وأنها تزوجت رجلا في شرق الأردن، لاحقا. ويطرح التقرير إمكانية اقناع زوج هذه المرأة بالتعاون للإيقاع بسلامة. 
 
يحتاج العرب عموماً، والفلسطينيون خصوصاً، لاستحضار مثل هذه الشخصيات والرموز التي لم تستسلم، ولم تترك أرضاً أو سماء لم تطرقها في الدفاع عمّا يريدون، من دون تجاهل عثراتهم وأخطائهم أحياناً، ومن دون تصديق كل ما في ملفات العدو.