بين نفق رفح والمؤتمر

غسان زقطان
حجم الخط

أتنقل بين نتائج انتخابات مؤتمر "فتح" السابع والشبان الأربعة الذين تم انتشال جثثهم، أول من أمس، بعد أن انهار عليهم نفق "تجاري" في رفح، منذ تسعة أيام، وفقدت آثار المتواجدين داخل النفق، الذي وصف بـ "التجاري"، مع إشارة في ثنايا الخبر المنشور إلى الحادثة، تحيل الانهيار إلى إغراقه بالمياه من الجانب المصري.
هل يمكن الحديث عن "الحادثين" في نص واحد دون الوقوع في التشتت، الحقيقة لا أجد فرقاً كبيراً، فجميعنا نحاول الخروج من "النفق" الكبير، لكل نفقه الخاص الذي يولد في عتمة النفق الكبير. لهذا سأواصل الكتابة.
لا اختراقات يمكن احتسابها في المؤتمر السابع، لا فيما يتعلق بالبرنامج ولا في التوجهات التي تعبر عنها الأسماء المنتخبة.
"التشكيلة" على حالها، وهو أمر متوقع في ظل غياب برامج المرشحين وجدل وجهات النظر وتعدد الآراء والاقتراحات، وسيبقى الأمر كذلك طالما أن التقارير المرفوعة للمؤتمر تواصل "وصف الماضي" وتقديسه وتعظيم المنجزات الراهنة وتحصينها بعد تنظيفها من الملاحظات والنقد وإلقاءها على المجتمعين صافية و"بيضاء من غير سوء".
ليس الأمر متعلقاً فقط بالفئات العمرية بقدر ما هو محكوم بقراءات جديدة لواقع جديد.
ببساطة كان يمكن الحصول على أدبيات المؤتمر ووثائقه بصياغات مختلفة من خلال متابعة تصريحات نفس الأشخاص في أي فترة من العام الماضي أو العام الذي سبقه؛ المصالحة، وحدة الحركة، المؤامرة، المقاومة الشعبية ...إلى آخره.
ليس الأمر متعلقاً فقط بالتوزيع الجهوي، أيضاً، والتحسر على غياب تمثيل العاصمة، إذ ليس مكان السكن والإقامة كافياً للحصول على مقعد في الصف الأمامي.
السؤال هو، قبل أي شيء: ما الذي فعلته للعاصمة؟ مثلاً، ما هو البرنامج الذي قدمته والحلول التي اقترحتها لدعم الناس ودعم صمودهم في مدينتهم عاصمتنا؟ كيف يمكن أن نعوض الثغرة المفتوحة والتي تتفاقم منذ رحيل فيصل الحسيني؟
مكان الإقامة ليس برنامجاً.
تبدو النتائج أشبه بحروب الخنادق في الحرب العالمية الأولى، التقدم البطيء والمكلف وتحصين المواقع وثني الأسلاك الشائكة، دون تغيير المناوبة أو الفصيل، بحيث يغيب خط الجبهة ويبقى الخندق وحده ومخاطر الخروج إلى الهواء الذي تبدل تماماً.
أعود إلى الشباب الأربعة في نفق رفح، وأضيفهم إلى كثيرين في غزة حصلنا على جثثهم تحت مسميات من نوع: "استشهد خلال مهمة جهادية" أو "أثناء قيامه بالواجب" أو "خطأ في السلاح" أو "طلقة طائشة" أو "حادث عرضي" أو "حكم بالإعدام..." ... إلى آخر مبررات الموت التي تلقيها نحونا فصائل وقضاة ومحاكم لا تتمتع بالشرعية أو الحق.
لا يكفي وصف النفق بـ "التجاري" ليبدو الموت مجانياً ومختلفاً، كما لو أن الموت في أنفاق الفصائل ميزة لا تتوفر لبقية الناس ممن يقيمون خارج جنة هذه الفصائل.
ولا يكفي أيضاً الإشارة إلى مسؤولية الجانب المصري الذي "يغرق أنفاقنا بالمياه"! للتنصل من مسؤولية "حماس" التي تحكم القطاع وأنفاقه التجارية والجهادية!
ببساطة ينبغي إثارة الأمر رسمياً وأهلياً، ثمة من يتحمل مسؤولية موت هؤلاء الناس، وعلينا أن نحاسبه، وفي الأقل تحميله المسؤولية إلى حين محاكمته.