إيهود باراك فقد لمعانه السياسي

20160512085920
حجم الخط

لم يعد ايهود باراك شابا يسعى الى العودة الى الساحة السياسية، وهذا على ما يرام تماما. كان شمعون بيريس أكبر منه سناً حين حظي بأن ينتخب رئيساً للدولة. ارئيل شارون هو الآخر كان في العقد الثامن من حياته عندما انتخب لرئاسة الوزراء. ولكن ما كان لدى هذين الرجلين ليعرضاه لن يكون لايهود باراك ابدا.
فقد بقيا دوما في البلاد؛ حتى في السنوات التي دحرا فيها الى الصحراء السياسية. دوما رآهما الناس. دوما سمعوهما. لم يهجرانا أبدا كي "يعملا لبيتيهما". دوما كانا هنا من أجلنا. حتى في أيام الصقيع ما كان يمكن للمرء أن يفوت شمعون بيريس أو ارئيل شارون. لم يتخذا في أي مرة وقفة الحاضر الغائب مثلما يفعل ايهود باراك منذ سنين عديدة.
كما أنهما لم يسعيا ليخزقا العيون بثرائهما. وبالتالي فانهما لم يبحثا ايضا عن تفسيرات للارتفاع الهائل في مالهما. فما كانا يحتاجان ذلك. وكان الوصول اليهما مباشرا دوما، الأمر الذي لا يمكن قوله عن باراك. فاللقاءات معه تبقي دوما طعما مريرا. سمعت هذا غير مرة ممن خرجوا من مثل هذا اللقاء.
بعد فشله الذريع في "بيع" "بلاد اسرائيل" لياسر عرفات مقابل لا شيء، صرف من كرسي رئيس الوزراء، وعندها انتقل للسكن في احد المباني الاكثر فخرا في تل أبيب. شقته، التي امتدت على مئات الامتار المربعة، خزقت العيون، ولكن هذا لم يكن يهم باراك على الاطلاق. وواصل بطبيعة لا حدود لها السكن فيها حتى عندما كان رئيس حزب العمل. وبالمناسبة، بعد المنفى الاضطراري الذي جمع فيه مالا طائلا بطرق خفية عن العين، عاد الى وزارة الدفاع، بعد بضعة اشهر من اختطاف جلعاد شاليت على ايدي "مخربين" تسللوا في نفق حفر من قطاع غزة الى داخل اسرائيل.
مراقب الدولة السابق، القاضي ميخا ليندنشتراوس، أشار في تقريره الى أنه تبينت علل عديدة في اجراء نقل أعماله التجارية المتفرعة الى بناته؛ وهذه على حد قوله لم تنسجم مع المعايير المتوقعة ممن يتولى منصبا في الحكومة. وقبل ذلك وجد قاضي المحكمة العليا، ثيودور أور، الذي ترأس لجنة حملت اسمه، نقاط خلل في أدائه قبل الاضطرابات التي نشبت في أوساط السكان العرب، وفي اثنائها، في بداية العقد السابق.
كل هذا لم يمنع بالطبع باراك من العودة الى وزارة الدفاع فيما اعتلت وجهه ابتسامة نصر. ايهود اولمرت كان في حينه رئيس الوزراء. والكل كان يلعق جراح الحرب الفاشلة امام "حزب الله". فقط ليس باراك. فهو لم يرَ نفسه مسؤولا عن حرب لبنان الثانية، التي تسببت بقدر كبير في أعقاب انسحابه الفزع من الحزام الامني عندما كان يتولى رئاسة الوزراء، في ظل ترك عتاد عسكري بعشرات ملايين الشواكل. وحتى في السنوات الاربع التي تولى فيها باراك منصب وزير الدفاع في حكومة بنيامين نتنياهو لم يتكبد عناء فعل شيء لتحقيق المعالجة لموضوع الانفاق التي حفرتها "حماس". فقد كان منشغلا على ما يبدو في المواجهات مع غابي أشكنازي. فالحرب بين وزير الدفاع ورئيس الاركان المنصرف هبطت الى هوات لم يكن لها مثيل أبدا.
هكذا نتلقى نحن باراك مرة اخرى. اكثر غنى بكثير، ولكن ليس أقل تملصا. في كل بضعة اسابيع يظهر من مكان ما ويفتح فمه على أمل أن يكون غفر له كل شيء؛ اخفاقاته كرئيس الوزراء؛ احواله حين فكك حزب العمل الى شظايا؛ ولايته البائسة في وزارة الدفاع. إذن لا؛ هذا لم يُنسَ ولم يغتفر.