دمشق: تغير المعادلات وحضور صيني فاعل

أشرف العجرمي
حجم الخط

بعد انضمام الصين إلى "الفيتو" الروسي ضد مشروع قرار تقدمت به عدة دول أول من أمس، وعلى ما يبدو تقف الولايات المتحدة خلفه، وينص على هدنة فورية في حلب لمدة 7 أيام وإيصال المساعدات الإنسانية للسكان هناك، يبدو أن تغيراً ملموساً في التحالفات الدولية يحدث تمهيداً لقدوم الرئيس دونالد ترامب الذي سيمارس عمله كرئيس للولايات المتحدة الأميركية في شهر كانون الثاني القادم. فالصين سبق وان استخدمت مع روسيا حق النقض ضد مشاريع قرارات غربية ضد النظام السوري، ولكنها امتنعت في شهر تشرين الأول الماضي عن استخدام هذا الحق وتركت روسيا لوحدها. ويظهر أن الدافع وراء هذا القرار هو التمهيد لدور فاعل في تسوية الأزمة السورية، علماً بأن الرئيس الأميركي الجديد ترامب ينوي التوصل إلى تسوية للحرب في سورية مع روسيا، والصين بدأت منذ فترة تزويد دمشق بالسلاح الصيني.
الوضع في سورية يشهد تسارعاً في انهيار المعارضة تحت ضربات النظام السوري وحلفائه، حيث باتت قوات الجيش السوري تسيطر على غالبية أحياء مدينة حلب ونجحت في عقد اتفاقات لإخراج المسلحين في أكثر من مدينة في محيط دمشق وسيكون لحسم معركة حلب الأثر الأكبر في تقرير مصير التسوية السياسية التي باتت أقرب من أي وقت مضى. ومشروع القرار الذي تمت محاولة تمريره يهدف إلى التغطية على فشل الولايات المتحدة في سعيها لإنقاذ قوات بعض حلفائها في حلب، فقد تقدم وزير الخارجية الأميركي بمبادرة لإخراج المسلحين من حلب، وكان من المفروض أن يجري نقاش هذه المبادرة بين روسيا والولايات المتحدة هذا اليوم، ولكن واشنطن سحبت مقترحاتها أولاً بسبب رفض بعض فصائل المعارضة لهذا المقترح، وثانياً لأن كيري صاحب المبادرة لم يستطع أن يحظي بموافقة باقي أركان الإدارة الأميركية حسب الادعاءات الروسية، وفي هذا السياق أشار، أمس، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمره الصحافي مع الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياغلاند إلى فشل إجراء حوار جدي مع واشنطن وتراجعها مرتين منذ الاتفاق حول تسوية الأزمة في حلب في أيلول الماضي، ومن الواضح أن مسألة حلب ستحسم عسكرياً بالقضاء على مسلحي المعارضة المتواجدين هناك – حسب ما يقوله لافروف.
والسبب الرئيس لرفض مشروع قرار مجلس الأمن هو عدم إخراج مقاتلي المعارضة من حلب في إطار الهدنة أو كشرط لها ما يمنحهم فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم من جديد والحصول على السلاح والعتاد، في وقت هم يتقهقرون وينهارون تحت ضربات الجيش السوري والقصف الروسي. وهو يأتي في إطار السباق مع الزمن قبل الانهيار النهائي للمعارضة في حلب وسيطرة النظام الكاملة عليها، وهذا ما يسعى إليه فعلياً قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وإدارة الرئيس أوباما تريد كسب الوقت للمعارضة قبل أن يتخلى عنها ترامب وتواجه مصيرها الأسود في سورية.
النظام السوري وروسيا ليسا في عجلة من أمرهما فيما يتعلق بالبحث عن حل فكلما تقدم النظام في السيطرة الميدانية على مناطق إضافية تحسنت شروطه، فلم يعد مطلب إسقاط النظام شرطا للتسوية السياسية، فالجميع بات يدرك بأن الحل هو مع النظام ويتطلب تغييراً ديمقراطياً تدريجياً على فترة زمنية يتم التوافق عليها، ومهما يحدث لن تنجح المعارضة المسلحة بالبقاء على الأراضي السورية في أية تسوية، والرئيس ترامب يتخذ موقفاً متشدداً من الحركات الإسلامية المتطرفة وحتى غير المتطرفة، ولهذا فهو مقتنع بعدم محاربة الجيش السوري الذي يقاتل "داعش"، وعلى الأغلب سيقف ضد قسم كبير من حلفاء واشنطن الإسلاميين لهذا اليوم.
حتى الرئيس التركي أردوغان عندما تحدث عن دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية بهدف إسقاط النظام اضطر للتراجع عن أقواله بعد غضب روسيا وحاول مساعدوه تلطيف الأجواء وتفسير حديثه بطريقة مغايرة. فتركيا تعلم الآن أنه لا مجال للحديث عن إسقاط النظام ولا يمكنها الاعتماد على "داعش" وجبهة النصرة والفصائل الأخرى التي فتحت لها تركيا الحدود لدخول المقاتلين والسلاح.
سورية تستطيع الاعتماد على حلفائها روسيا وإيران، وتستطيع الاطمئنان إلى دعم دول مهمة مثل الصين ومصر التي لا تريد للنظام أن ينهار وتقسم سورية مثلما يريد ذلك بعض الأطراف الذين يشاركون في الحرب من خلال أدواتهم أو عبر التدخل المباشر كما هو حال تركيا على سبيل المثال. ومعركة البقاء في لحظاتها الأخيرة، والتحالفات الدولية متحركة وفقاً لموازين القوى على الأرض وسير المعارك وتبدل المصالح، ولا شك أن تسوية الملف السوري ستلقي بظلالها على ملفات أخرى أقلها وقف انهيار النظام العربي وتفتيت الدول العربية المركزية والحفاظ على الحد الأدنى من المصالح القومية، ولنا كفلسطينيين موعد مع الحل في سورية ولا يمكن لقضيتنا أن تكون معزولة عن تأثيرات الوضع الإقليمي والدولي خاصة مع عودة الحرب الباردة ونظام الأقطاب المتعددة.