لم يصبح قانونا بعد، وقد مر في تغييرات عدة، لكن ما يُسمى بـ”مشروع قانون التسوية”، الذي صادقت عليه الكنيست في قراءة تمهيدية، أول من أمس، يلفت إليه الأنظار داخل وما وراء الحدود الإسرائيلية.
وقد حذر زعيم المعارضة، اسحق هرتسوغ، من أن مشروع القانون يمهد الطريق أمام “انتحار وطني”، في حين اعتبر رئيس حزب “البيت اليهودي”، نفتالي بينيت، القانون يمهد الطريق أمام بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة الخاص للعملية السلمية، قال لمجلس الأمن،الشهر الماضي: “إذا تمت المصادقة عليه، فمن شأنه أن يشكل انتهاكا للقانون الدولي، وبحسب النائب العام الإسرائيلي سيكون أيضا غير دستوري”.
وزارة الخارجية الأميركية قالت إن تمريره يمثل “خطوة غير مسبوقة ومثيرة للقلق تتعارض مع الرأي القانوني السابق وتنحرف عن سياسة إسرائيلية منذ مدة طويلة في عدم البناء على أرض فلسطينية خاصة”.
وقالت وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيرني، إن مشروع القانون سيكون “اجتيازا لعتبة جديدة، حتى بحسب القانون الإسرائيلي، للمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية”.
وسط النشاز من الإدعاءات والإدعاءات المضادة، فيما يلي لمحة عن مشروع القانون، من سيتأثر فيه، وعما إذا كان سيصمد أمام الامتحان القضائي.
1. ما الذي يقوله التشريع الجديد؟
مشروع القانون – إذا تم تمريره بثلاث قراءات أخرى في الكنيست ولم يتم إلغاؤه بعد ذلك في المحكمة العليا – من شأنه شرعنة الوحدات السكنية التي بناها المستوطنون على أرض فلسطينية خاصة، إذا كانت أعمال البناء قد نُفذت بحسن نية: إذا لم يكن المستوطنون على علم بأنهم يبنون على أرض خاصة يملكها فلسطينيون، وتلقوا مساعدات من نوع ما من الدولة، سيُسمح لهم بالبقاء فيها.
يشير التشريع المقترح إلى أن دعم الحكومة قد يكون صريحا أو ضمنيا، من البداية أو بأثر رجعي، ودعم المجالس المحلية يُعتبر دعماً حكومياً.
مشروع القانون، الذي قدمه عضوا الكنيست عن “البيت اليهودي”، بتسلئيل سموتريتش وشولي معلم رفائيلي، وعضوا الكنيست عن “الليكود”، دافيد بيتان ويوآف كيش، يسمح للحكومة بتخصيص أرض لاستخدامها الشخصي إذا كان أصحابها مجهولي الهوية. وإذا كان صاحب الأرض معروفا سيكون بإمكانه إما الحصول على تعويضات بقيمة 25% من قيمة تأجير الأرض، أو حزمة مالية أكبر بقيمة 20 عاماً من تأجير الأرض، أو قطعة أرض بديلة.
ويشير التشريع بالتحديد إلى مبان في ثلاث مستوطنات كانت في مركز معارك قضائية لهدمها وقد تم إنشاؤها على أرض خاصة: إيلي ونتيف هأفوت وعوفرا. وينص مشروع القاون على تجميد جميع الإجراءات الإدراية في هذه المستوطنات الثلاث مع صدور القانون، وخلال الأشهر الـ12 الأولى، على الحكومة تحديد ما إذا كان تم بناء هذه المباني بحسن نية وبمساعدات حكومية. إذا تم استيفاء هذه الشروط، سينطبق “مشروع قانون التسوية” على هذه المناطق، كما ينص التشريع.
وجاء في الاقتراح: “في كثير من الحالات تم بناء المستوطنات على مناطق متفق عليها، وتم تشجيعها أو بناؤها بالتنسيق مع الحكومة، أو تم بناؤها بحسن نية من قبل السكان الإسرائيليين، الذين لم يكونوا على علم بأنها كانت أرض بملكية خاصة”، وجاء أيضا “ترك الوضع كما هو في هذه المستوطنات أو هدمها من شأنه المس بشكل جدي ومن دون مبرر بأولئك الذين عاشوا هناك لسنوات عديدة. بالتالي، فإن التسوية لهذه المستوطنات هو أمر ضروري”.
2. ليلة الاثنين الماضي تم تمرير مشروع القانون في قراءة تمهيدية. ما هي فرص أن يصبح قانونا في نهاية المطاف؟
حتى لو تم تمرير مشرع القانون في قراءة أولى وثانية وثالثة، يعتقد الكثير من المحللين بأن المحكمة العليا ستقرر في نهاية المطاف أن القانون غير دستوري.
وحذر النائب العام الإسرائيلي، أفيحاي ماندلبليت، من أن مشروع القانون ينتهك القانون المحلي والدولي، وأشار إلى أنه لن يكون قادرا على الدفاع عنه أمام المحكمة العليا.
3. إذا نجح في مرور كل العقبات، بما في ذلك المحكمة العليا، هل يعني ذلك بأنه سيتم السماح للأربعين عائلة التي تعيش حاليا في بؤرة عامونة الاستيطانية بالبقاء في المكان؟
لا، وفقا لقرار المحكمة العليا، يجب إخلاء المستوطنة التي تم تأسيسها قبل 20 عاما، قبل الـ25 من كانون الأول، حيث تم بناؤها على أرض فلسطينية خاصة. “مشروع قانون التسوية” لن ينطبق بأثر رجعي على عامونة.
بالأحرى تم التوصل إلى تسوية، الاثنين الماضي، وبحسبها سيتم نقل السكان مؤقتا إلى ثلاث قطع أراض من أملاك الغائبين على التلة ذاتها. يشرف على هذه الأراضي حاليا الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائبين.
سيتمكن المستوطنون من “البقاء كمجتمع”، كما قال رئيس الوزراء، بينيامين نتنياهو، الاثنين الماضي، خلال الجلسة الأسبوعية لحزب “الليكود” في الكنيست. “سيكونون مطالبين بالانتقال بضعة عشرات الأمتار، ربما 100 أو 180 مترا، لكن سيكون بمقدروهم البقاء في المكان نفسه”.
4. ماذا بالنسبة لـ”البؤر الاستيطانية غير القانونية” الأخرى؟ قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الأحد الماضي، إن “قانون التسوية” سيشرعن أكثر من 50 بؤرة استيطانية، بالإضافة إلى 31 تمت شرعنتها أو في طور شرعنتها. كيف ستتأثر هذه البؤر الاستيطانية؟
بحسب منظمة “السلام الآن”، فإن “مشروع قانون التسوية” لن يعمل فقط على شرعنة 55 بؤرة استيطانية بأثر رجعي من خلال تحويلها إلى مستوطنات مصادق عليها من قبل الدولة، ولكنه يفتح الباب أيضا أما شرعنة 3125 وحدة سكنية داخل مستوطنات قائمة من خلال مصادرة 5014 دونما من الأرض الفلسطينية الخاصة.
5. لماذا يحذر النائب العام ماندلبليت من أن مشروع القانون هو خرق للقانون الدولي؟
للإجابة على هذا السؤال من المفيد أن نتذكر كيف وصف عضو الكنيست عن “الليكود” بيني بيغين – مؤيد قوي للمشروع الاستيطاني – مشروع القانون، بـ“قانون السرقة”. إن تخصيص أراض فلسطينية لفائدة المستوطنين اليهود لا يمكن إلا أن يُعتبر “سرقة أراض”، كما قال بيغين، الذي تعهد بالتصويت ضد مشروع القانون.
صاغت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي موغيرني الوصف بأسلوب أكثر دبلوماسية: إذا تم تمريره، فإن مشروع القانون “سيسمح بشرعنة بؤرة استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بأثر رجعي” وسيسمح بـ”مصادرة حقوق ملكية خاصة لأصحاب أراض فلسطينيين في الضفة الغربية لصالح المستوطنين”. أيا كانت الصيغة لوصف ذلك، فإن الاعتراض هو على فكرة أخذ الأرض من شخص لأن شخصا آخر يعيش عليها.
النسخة الحالية لمشروع القانون لم تعد تشمل البند المثير للجدل الذي يسمح بقلب قرار المحكمة العليا الذي يأمر بهدم عامونة. يجعل هذا من مشروع القانون أكثر قبولا على حزب وسط اليمين “كولانو”، الذي كان قد أعلن بأنه لن يدعم قانون يمكن أن يُنظر إليه بأنه يقوض قرار محكمة العدل العليا. لكن ماندلبليت يعارض النسخة الأخيرة من مشروع القانون أيضا، والتي يرى بأنها، إذا تم تمريرها، لن تصمد في امتحان المحكمة العليا.
من وجهة نظر القانون الدولي أيضا، لا تزال النسخة الحالية من “مشروع قانون التسوية” إشكالية للغاية. شبح الاتهامات ضد القادة الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية، الذي تحدث عنه نتنياهو بنفسه، سيواصل مرافقة الجدل حول هذا القانون.
تزعم إسرائيل أنه لا يوجد لـ "لاهاي" سلطة قضائية على المنطقة، ولكن تم قبول “دولة فلسطين” كعضو كامل في المحكمة، التي طلبت من المدعية العامة التحقيق في جرائم ارتكبتها إسرائيل على أراضيها، من بينها “نقل” مستوطنين إلى الضفة الغربية. التحقيق الأولي لـ”الوضع في فلسطين” جار وتمرير مشروع قانون يصادق على مصادرة أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية لن يكون في مصلحة إسرائيل.
روبي سابل، مستشار قانوني سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يقول إن “الاستيلاء على أرض فلسطينية خاصة، وهو ما لم يحدث من قبل، يجعل من هذه المزاعم أكثر تعقيدا”. من جهة أخرى، إذا نجحت إسرائيل في إثبات أنها على استعداد لتعويض أصحاب الأرض الفلسطينيين بدلا من إخلاء المستوطنين اليهود، يمكن لذلك أن يساعد في تحسين القرار، كما قال سابل. يُعرف ذلك بـ”نموذج قبرص”.
هناك جدل بين خبراء القانون حول ما إذا كانت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تندرج تحت فئة جرائم الحرب على النحو المحدد في اتفاقية جنيف، ويمكن اعتبارها “فظائع جماعية” تبرر تدخل المحكمة الجنائية الدولية. ولكن بأي حال من الأحول، “قانون التسوية” لا يساعد الموقف الإسرائيلي.
6. يشيد وزير التربية والتعليم ورئيس حزب البيت اليهودي” اليميني المتشدد، نفتالي بينيت، بـ”مشروع قانون التسوية” معتبرا إياه ثورة تمهد الطريق أمام ضم إسرائيل للضفة الغربية. هل هذا صحيح؟
حتى بعض المعارضين على التشريع سيتفقون مع بينيت في ذلك. الكنيست ليست السلطة التشريعية صاحبة السيادة في الضفة الغربية، التي لم تقم إسرائيل أبدا بضمها رسميا (باسثناء الأراضي التي سيطرت عليها في العام 1967 وتقع ضمن حدود بلدية القدس). بالتالي، كما يقول هؤلاء، فإن تمرير قوانين لتسوية مسائل ملكية في الأراضي هي خطة في اتجاه تطبيق القانون الإسرائيلي هناك، بكلمات أخرى: خطة في اتجاه الضم.
من جهة أخرى، لا تزال الحكومة الحالية ملتزمة بحل الدولتين، على الأقل على الورق. قبل نحو أسبوعين، أصدرت الحكومة بيانا مشتركا مع وزراء بولنديين كانوا في زيارة للبلاد، تعهدت فيها بالالتزام بـ”الإيمان بأن حلا عادلا ودائما للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني يجب ويمكن التوصل إليه فقط بالاستناد الى حل الدولتين لشعبين”.
كرر نتنياهو في أكثر من مناسبة معارضته لحل الدولة الواحد ولا يزال ملتزما بإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية. اتفاق السلام يبدو بعيدا، ولكن كذلك ضم إسرائيلي للضفة الغربية أو أجزاء منها، في الوقت الراهن.
7. ولكن هل يُعتبر ذلك انتصارا لبينيت والحركة الاستيطانية على نتنياهو الأكثر حذرا؟
يسمح القانون بشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية عبر الضفة الغربية بأثر رجعي وتحويلها إلى تجمعات مشروعة بحسب القانون الإسرائيلي لا يمكن اعتباره أقل من إنجاز كبير للحركة الاستيطانية. الـ40 عائلة التي تعيش في عامونة تعارض التسوية التي سيتم بحسبها نقل مكان إقامتهم، ولكن بالنظر إلى الختم الرسمي الذي سيمنح الشرعية لبؤر استيطانية كثيرة أخرى، فإن الأغلبية الساحقة من المستوطنين تؤيد هذا القانون.
على نتنياهو الاستعداد لمواجهة الانتقادات الدولية، ولكن أيضا هناك أسباب تدعوه لاعتبار نفسه فائزاً: سيكون له أخيرا شيء ما ليعرضه على قاعدته الانتخابية في اليمين، التي تتهمه عادة بعدم البناء في الأراضي بشكل كاف. إذا تم تمرير “مشروع قانون التسوية”، بإمكانه الادعاء بأنه ساعد في ترسيخ المجتمعات اليهودية في الضفة الغربية. ليس بمحض الصدفة أن نتنياهو وبينيت تجنبا أزمة ائتلافية وبإمكانهما الآن الاستمرار في الحكم – على الأقل حتى الأزمة المقبلة، والتي قد تأتي قريبا عندما تبدأ الكنيست بالتصويت على ميزانية الدولة للعام 2017-2018 في وقت لاحق من هذا الشهر.
إذا قامت المحكمة العليا بإلغاء التشريع، كما هو مرجح بحسب ما يراه البعض، فإن منتقدي مشروع القانون المحليبن سيشعرون بالراحة، في الوقت الذين سيثير هذا القرار غضب مناصري القانون، وسيكون الائتلاف الحاكم قد كسب بعض الوقت، ومن المرجح أن تسيطر المزيد من المواجهات حول هذه القضية الشائكة على الأجندة.
8. ما الذي يحدث على الأرض حاليا؟ هل هناك جهود أخرى يمكن بذلها من أجل منع هدم عامونة؟
يرفض سكان عامونة حل التسوية الذي توصل إليه أعضاء الائتلاف، واصفين قطع الأراضي من أملاك الغائبين المخصصة لهم بـ”الغيتو” الذي لا يلبي احتياجاتهم. في رسالة تم نشرها مساء الاثنين الماضي أكد ممثلون عن العائلات الـ40 بأنهم لن يستسلموا لمصيرهم ودعوا جميع مناصري المشروع الاستيطاني للحضور إلى عامونة و”الوقوف إلى جانب الموقع”.
وجاء في الرسالة: “نحن واثقون بأنه بمجرد أن يرى القادة [الإسرائيليون] التحرك الشعبي سيعودون إلى رشدهم”. واختُتمت الرسالة بإعلان أن “عامونة لن تسقط مرة أخرى”، في إشارة إلى هدم تسع منازل تم بناؤها بصورة غير قانونية على أرض فلسطينية خاصة في العام 2006، والذي شهد مواجهات عنيفة. قادة المستوطنين قالوا بأنهم يعارضون العنف، لكنهم دعوا إلى عصيان مدني؛ لا يمكن لأحد التكهن ما إذا كان سينتج عن الإخلاء الذي يلوح في الأفق مشاهد قبيحة أو ما إذا كانت العملية ستمر بهدوء نسبي.
9. كيف ستكون ردود فعل المجتمع الدولي؟
حتى لو قامت المحكمة العليا بإلغاء القانون في نهاية المطاف، فإن مجرد تمريره في الكنيست سيثير على الأرجح عاصفة من التنديدات. لكن من غير الواضح ما إذا كان على إسرائيل أن تخشى من عواقب ملموسة. قد يدرس الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات محدودة – مثل فرض قيود على التجارة مع شركات تتخذ من المستوطنات مقرا لها – ولكن لأوروبا في الوقت الحالي قضايا ملحة عديدة أخرى، وقد تقرر أن الخروج ببيان حاد اللهجة سيكون كافيا.
قد تستخدم الإدارة الأميركية تمرير “قانون التسوية” كذريعة لدعم خطوة قد يتم اتخاذها في مجلس الأمن الدولي بشأن فلسطين، على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي صرح، الأحد الماضي، بأن واشنطن ستواصل الاعتراض على “أي قرار غير منصف ومنحاز ضد إسرائيل”. وورد أن الرئيس باراك أوباما المنتهية ولايته يدرس عدداً من الخطوات لتعزيز إرثه في عملية السلام، ولكن “لم يتم اتخاذ قرار حول أي نوع من الخطوات التي قد يتم أو لا يتم اتخاذها بهذا الشأن”، كما قال كيري.