يبدو أن التفاؤل بمؤتمر فتح السابع، على أنه مؤتمر التغيير والتجديد كان مبالغاً فيه.
وربما كان التفاؤل مبرراً بفعل ضغط الحاجة، واتساع مظاهر التراجع والوقوف على حافة الانهيار، غير أن فتح التي هي حركة الممكن، اكتشفت في مؤتمرها السابع، أن التسوية الأسلم لصراعها الداخلي، وصراعها مع الآخرين هو دوام الحال على حاله، وأن التغيير الممكن يجب ألا يتجاوز تعويض الذين ماتوا والذين وقفوا على بوابة التسعين من العمر، أي أن التغيير على هذا المستوى طفيف ويكاد لا يرى.
ولذلك سبب موضوعي، وهو أن المسافة الفاصلة بين عقد المؤتمر والذي يليه، تمتد سنوات طويلة ما يكرّس جموداً في الإطارات القيادية وتكرساً لمصالح القادة، مع بروز ظاهرة اقتسام النفوذ على مستوى البنية والأفراد.
وحين تعقد فتح مؤتمراً عاماً، يكون منطقياً أن يحضر القادة ناخبيهم معهم، إذ لا مؤتمر في الكون تكون لجنته التحضيرية بكامل أعضائها من القيادة الرسمية ما يقطع سلفاً بأن النتائج محسومة، حدث ذلك في معظم مؤتمرات فتح القليلة، ولا يوجد جديدٌ في البنية المتكرسة يستدعي جديداً في الخلاصات.
إذاً.. لماذا المؤتمر أساساً وما هي وظيفته الفعلية وليس الافتراضية؟
المؤتمر السابع لفتح الذي انفض قبل أيام قليلة كانت له وظيفتان؛ الأولى تجديد شرعية القديم، والثانية عرض قوة يثبت فيها الرئيس محمود عباس سيطرته المطلقة على الحركة بعد الكلام الكثير الذي سبق عقد المؤتمر حول بدائله.
الذي أملى حاجة ملحة لمؤتمر يوجه رسالة واضحة في هذا الاتجاه هو انتقال الاستقطاب الداخلي في فتح إلى مستوىً آخر يثير القلق، حين أصدرت الرباعية العربية تقريرها حول الوضع الداخلي في فتح أساساً وكيفية معالجته، ما فهم أن الأمر كله يتعلق بتثبيت وضع محمد دحلان كبديل أو وريث.
كان المؤتمر السابع بمثابة تظاهرة صاخبة أظهرت أقصى درجات الولاء لعباس واللجنة المركزية القديمة، وكانت عبارة القرار المستقل هي الشعار الأكثر تداولاً في الخطب والهتافات، وقد تم استعادة أناشيد العاصفة التي أنتجت في منتصف ستينات القرن الماضي، بما خلق جواً يستعيد من الذاكرة زمن البدايات الزاهر، دون الانتباه إلى مخالفته الصريحة لزمن التراجعات والانهيارات الموجعة. كان الحنين عاطفياً وملامسة التحديات عبئاً نفسياً فضل التخلص منه لعدم إفساد اللحظة.
وهنالك ظاهرة لمستها في مراقبتي لمجريات المؤتمر من ساعته الأولى حتى ساعته الأخيرة، هي ظاهرة الممنوعات المغلفة بلغة شعاراتية فاقعة، ودائماً في المؤتمرات هنالك مؤامرة ما تجتذب اهتمام المؤتمرين وتحدد لغتهم وتصويتهم وأسقف تطلعاتهم، وبمنطق المؤامرة والتصدي لها يتفوق الممنوع على المسموح... ممنوع إضاعة الوقت في تجديد النظام الداخلي الذي وضع قبل عقود، وممنوع المجازفة بتغيير قيادي ملحوظ كي تواصل القيادة المتكرسة منذ عقود تصديها للمؤامرة غير المحددة، وممنوع الاسترسال في مراجعة المواقف السياسية، وممنوع كذلك مجرد ذكر الإخفاقات كي لا يوضع بين يدي «المؤامرة» قرائن مساعدة تمكنها من الانتصار على الجمود الذي يسمى في هذه الحالة بـ«التاريخية والأصالة».
بلغة التفاؤل أبقى المؤتمر السابع فتح على حالها دون تغيير أو تبديل، وحين يكون هذا هو أقصى المراد فبوسعنا تخيل مدى التشاؤم وتراجع الرهان.
في اليوم التالي لإغلاق المؤتمر عاد الفتحاويون إلى ممارسة هوايتهم المفضلة، وهي التذمر والسخط على ما حدث، والتوعد بتغييره في المؤتمر القادم حتى إن البعض يقول: هل هنالك مؤتمر قادم فعلاً؟
عن الشرق الأوسط